فيلم "البراق" للمخرج المغربي محمد مفتكر
غرائبية الجسد ، اشكالية الأنثى والتجليات في ماوراء السرد الفيلمي الواقعي
طاهر علوان
لاشك اننا نبحث دوما في عالمنا العربي عن سينما مختلفة ، عن رؤى جديدة واساليب مختلفة تخرج عن الأنماط السائدة وبما فيها اكثر الأشكال الواقعية التي لاتخرج عن "الحدوتة" او الحكاية معلومة النهاية منذ البداية ، سينما تحرك الساكن وتثير تساؤلات وتدفع بالمشاهد الى التيقظ والتساؤل والجدل والأختلاف ...وبالطبع هو مطلب يشمل حتى التجارب السينمائية غير العربية لكن المسألة فيما يتعلق بالسينما العربية تتسع بسبب قلة الأنتاج وضعف النوع ، لجهة طريقة المعالجة والحلول الأخراجية .
من هذا المدخل اذهب الى فيلم البراق للمخرج المغربي محمد مفتكر ، وهو فيلمه الروائي الطويل الأول وكان قد نال استحسانا ابان عرضه في المهرجانات السينمائية المحلية في المغرب كمهرجان طنجة ومهرجان خريبكة ليعرض في الدورة الأخيرة لمهرجان نامور الدولي للسينما الفرنوفونية في دورته الأخيرة في مدينة نامور البلجيكية حيث اتيحت لي فرصة مشاهدته.
في فضاءالقصة
في البدء لابد من القول ان هذا الفيلم لايقدم قصة تقليدية عادية واحداثا يمكن مسبقا توقعها او في الأقل رسم مساراتها او الأقتراب من الشخصيات ومحاولة سبر اغوارها ، وعلى هذا فأننا امام فيلم يمكن تلخصيه بالبحث عن الذات الهائمة ، الذات التي وقعت ضحية الآخر ووقعت ضحية البحث عن خلاص في وسط دوامة لانهائية من الميثولوجيا والسحر والميتافيزيقيا .
من هذه الخلاصة المكثفة سنتوقف عند قصة فتاة ما في وسط مجتمع ذكوري لايراد لها ان تكون انثى ، الأب الذي سيستخدم بطشه وقوته على ذلك الكائن الضعيف ، الفتاة وهي طفلة وعليها ان تتحول الى فتى ، ان تتدرب على ركوب الخيل وان ترتدي ثياب الفتيان ، ذلك عالم مغلق على ذاته في وسط قرية في مكان ما تحف بها الجبال وتمتد مزارع القمح لتكون ملاذا للصبية / الفتى ومكانا للعب مع صبي آخر ، وهناك يمارس الأب سطوته على ذلك الأمتداد اللامتناهي ، يقود ابنته الطفلة قسرا الى عالم الذكورة الذي لاخيار لها فيه .العالم الكامن المجهول عبر ذلك الأمتداد عبر الوهاد والجبال لايصغي لأنين الطفلة التي كل ذنبها انها ولدت انثى وهي تجوس في غيهب مجهول لاتدريه وتدور في فضائه .
ليس هنالك من تحولات كبرى في هذا المسار المقفل سوى اصرار الأب على المضي في تأكيد سطوته رمزا للمجتمع الذكوري .وفي المقابل هنالك المساحات التي تتجلى فيها الطفولة منذ البداية والتي تجدها شبه لازمة متكرره في الفيلم وهي مثلا الكتابة على اللوح ، تلك اللازمة التي تتكرر وتنقش فيها اسماء ووجوه وكأنها الواح القدر الذي تجد فيه الشخصيات اسمائها وسيمائها فضلا عن انها لاتكتب الا في تلك الأجواء المعتمة الكابية ، تكتب الأسماء على التتابع ويتحول الخط العربي في التفافاته والتواءاته الى تعبير حي عن الشخصية ويتحول القلم الى اداة سحرية يجري تسليمها بكثير من الهيبة من شخصية الى اخرى , حت اذا غصناعميقا في هذا المسار مانلبث ان نذهب الى مسار آخر مواز له ، هنالك مستشفى يشبه الزنزانة يشرف عليها رجل يرتدي البزة العسكرية وهو مصاب بعرج ، وهذا يحتجز فتاة شابة هي "ريحانة" التي تنزوي في تلك الحجرة البائسة البالية وتختلط في عقلها هلاوس واحلام يقظة وذكريات قاسية وحوادث اغتصاب ومشاهد حب وخوف وموت وسحر ورهبة كلها جميعا تحتشد في ذلك العقل الصغير لريحانة (الممثلة ماجدولين دريسي) التي ماتلبث ان تصبح مجرد حالة مرضية لدى زينب (الممثلة سعدية لديب) ، الطبيبة المعالجة النفسية او الباحثة الأجتماعية التي تعقد جلسات متكررة تصغي خلالها الى ريحانة والى ماضيها وذكرياتها ثم لتخبرها ريحانة تاليا انها حامل ..ولكن ممن ؟ في البدء تتوقع انه ليس غير الحارس او المدير ذو البزة العسكرية القادم من الحرب والذي يتوعد بالحرب ويكرر كلمة الحرب مرارار وهو الذي يحقن ريحانة بالأبر والأدوية ، لكن المشاهد التي ينسخ بعضها بعضا في ثنايا الذاكرة المضطربة لريحانة توجد اكثر من رجل هو على صلة مع ريحانة ويشاركها متعة الجسد راغمة او راغبة ، هنالك الذكريات مع زيد ..الشاب الذي ابتلعته الحرب هو الآخر وهنالك الأب ، وكل منهم يظهر منفرادا بريحانة على افتراض اقتراف الأب للزنا بالمحارم .
هيمنة الجسد
يمتلك الجسد حضوره منذ البداية فالأنثى المرفوض وجودها الأنثوي وهو رفض لوجودها الجسدي المجرد لااكثر ولهذا يحضر الجسد كثيرا في سياق الفيلم كما انه ذلك الجسد الذي كتبت عليه اقداره وحياته ولهذا ساعة ينكشف الجسد في مشهد حلمي – سريالي ممزوج ببعد واقعي فأنه يتكشف عن جسد تغطيه الحروف والكلمات ، تم رسم تلكم الكلمات عليه بلا انتهاء ، ثم مايلبث ان يتحول الى جسد واقع في دائرة الوجد المجرد من خلال علاقة ريحانة مع زايد ، فهي تلك العلاقة التي تمر مرورا خاطفا في ثنايا الفيلم ولاتصمد كثيرا امام العواصف الأخرى التي تعصف بريحانة ، العلاقة مع زايد تمثل ذلك البحث المضني عن بديل انساني للأستلاب وقلة الحيلة وانهيار الذات امام ضغط الآخر .
في المقابل نجد ان ريحانة في لحظات انهيارها وهي محاصرة في تلك المصحة – السجن ، نجدها ايضا منهمكة في التعبير عن حصار الجسد فهي حبيسة ذلك القفص الذي تريد الخروج منه لكنها امام قوة اخرى غير قادرة على التخلص منها .
وعلى هذا يتحول الجسد في الشكل الغرائبي الذي تم تقديمه فيه ،الى نقطة انتهاك من اطراف عدة : الأب الشرس المستبد الذي يسحق فكرة االأنوثة ويرفض ان يتسجيب لها فارضا وعيا ومفردات ذكورية خالصة ، زيد الذي يبحث وهو في ريعان شبابه عن شريكته التي لايكف عن التودد اليها وعناقها ومضاجعتها في مشهد ضعيف للغاية اخراجيا وواضح انه مصطنع ، وفي المقابل هنالك الزمن الذي تجد ريحانة نفسها في وسطه وهي تحاول التقاط ذاتها ولملمة جراحاتها وهي لحظات البوح التي كانت تعبر فيها عن نفسها في اثناء لقائها الباحثة النفسية او الأجتماعية .
الحصان والبيض رمزا وموضوعا
يكثف المخرج محمد مفتكر من الرموز التي يريد منها ان تنسجم مع فكرته وموضوعه ، اذ تتكرر مشاهد الحصان في حالات ومواضع مختلفة بل ان الحصان يعد مفردة اساسية لاغنى عنها في كل الفيلم تقريبا فلا تكاد تحضر الشخصيات في بعض المشاهد حتى نكون في مشاهد يحضر فيها الحصان الأسود خاصة ولايتوان المخرج عن التركيز على الحصان بكل تفصيلاته : العيون ، الرقبة السيقان ، والحصان وهو جامح منطلق او وهو ساكن او وهو يعتنى به من طرف والد ريحانة ويتطور الأمر الى ربطه بعمق بالموروث الفكري والأنساني المحلي ، اذا يتكرر ظهور كتاب عتيق مصفر الأوراق يغطيه التراب موضوعه الحصان يبدأ بالآية القرآنية عن العاديات وهو الكتاب الذي يضعه المحقق او مدير المستشفى او السجان او الحاكم العسكري او كلها مع بعض لأنه كل هذا ، سيضع الكتاب على الطاولة امام زينب ثم تذهب زينب بعد ذلك للبحث عن الكتاب في ارفف الكتب وتظهر تفاصيل هيئة وشكل الحصان ...ثم يكون ذلك الحصان من جانب آخر هو الحلقة التي توصل مابين ريحانة والعالم الذكوري بحسب الحل الذي اوجده الأب ، فأول مايجب ان تتعلمه ريحانة هو ركوب الخيل ، ذلك الفرس نفسه اسود اللون الذي ظل يتكرر مثل لازمة لانهائية ، كما انه هو الذي يمنحها الأحساس بتلك المغامرة الجديدة عندما تجد نفسها جزءا من تلك الدائرة التي لافكاك منها : الأب – الحصان – الذكورة – استلاب الأنثى .
وهنالك استخدام آخر ملفت للنظر وهو البيض الذي يتكرر في كثير من المشاهد وغالبا هو بيض الطير الذي يتم الرسم والكتابة عليه ، ويتحول الى لازمة اخرى مرتبطة بالشخصيات وذلك خلال عملية الكتابة على اللوح او رسم اوجوه الشخصيات عليها ، واذا فهمنا دور الحصان في السياق العام للفيلم فأن تكرار ظهور البيض كان اقرب الى ممارسة السحر وكتابة التعاويذ وماالى ذلك دون ان يفصح ذلك الأستخدام عن كثير من التفاصيل .
جماليات السينوغرافيا والتصوير..
مما لاشك فيه ان هذا الفيلم على ماعليه من ملاحظات في السيناريو لجهة انه ينحو منحى ذهنيا وتتداخل فيه الأزمنة والأماكن مبتعدا كثيرا عن التتابع والنمو المنطقي للأحداث وافعال الشخصيات وبسبب ذلك فأن من ينشد من وراء هذا الفيلم قصة تقليدية معتادة قائمة على التسلسل المنطقي للأحداث فأنه لن يعثر عليها بسهولة ، حتى ان الممثلة التي ادت دور زينب (الممثلة لديب) كانت قد صرحت في لقاء صحافي معها ان المخرج كان يجري عمليات مونتاج مسبقة في ذهنه قبيل واثناء تنفيذ المشهد ومايزيد الموضوع تعقيدا هو كون الفيلم يعتمد على تداعيات نفسية باطنية وهواجس واحلام وتخيلات وكلها تنتظم في فضاء تعبيري اراد له المخرج محمد مفتكر ان يخرج عن النمطية السائدة والشكل التقليدي في السرد الفيلمي متجاوزا كثيرا من الكليشيهات في هذا المجال .
لكن الفيلم ومن دون ادنى شك قد تفوق الى حد كبير في مجال الصورة والسينوغرافيا ( مدير التصوير زافي كاسترو) ، فجماليات التصوير ومنذ المشهد الأول الذي يظهر المرأة وهي تسير في فضاء ليلي قاتم باتجاه الحصان ، منذ ذالك المشهد راح المخرج يعزز ذلك التدفق الصوري في المشاهد الليلية بمزيد من الحس الجمالي وقوة التعبير ، فالبناء الأضائي والملمس وتعبيرية الصورة محملة بالكثير من المفردات الجمالية يضاف الى ذلك طريقة تصوير مشاهد الحوار بين (زينب ) وريحانة في المستشفى / السجن اذ غالبا ماتم تصويرها بالعدسات قصيرة البعد البؤري معطية للمكان شكلا شبه اسطواني مقفل تقبع فيه الشخصيات وهي اسيرة ازماتها .لقد كانت المشاهد الليلية اكثر مااجاد فيه مدير التصوير في صنع مناخ تعبيري بالغ التأثير والدلالة وكذلك في مشاهد الطفولة والكتابة ومشهد تعري الفتاة ليظهر جسدها وهو مغطى بالحروف والكلمات ...
كل هذا كان تعبيرا عن ولع خاص لدى المخرج في الغوص في ماوراء السرد او مابعد السرد الفيلمي المباشر حاشدا ادوات تعبيرية متنوعة للوصول الى غايته ، لكنه في حاجة الى مشاهد يقظ ليس بالضروروة ان يبحث عن قصة تقليدية معتادة بل ان يشعر بلذة الأكتشاف ومتعة التعبير ..
................
الفيلم : البراق
pgase العنوان الفرنسي
سيناريو واخراج : محمد مفتكر
مدير التصوير : زافي كاسترو
مونتاج: جوليان فوريه
تمثيل: ماجدولين دريسي ، سعدية لديب ، ناديا نيازي ، دريس روخ ، انس الباز
سنة الأنتاج 2010
حوار مع المخرج النمساوي مايكل هانيكة
العنف هو الموضوع الرئيس الذي تناولته في جميع افلامي
قابلت 7 آلاف طفل لأختار بضعة منهم لفيلمي
اذا اخترت الممثل الجيد لأداء الدور المناسب له فأن النجاح سيتحقق
السينمائي هو ذلك الكائن الذي مهمته طرح الأسئلة
حاورته : كريس كرابس
ترجمة : طاهر علوان
مايكل هانيكة مخرج معروف على نطاق عالمي وافلامه حصدت العديد من الجوائز في المهرجانات وكان آخرها نيله الجائزة الكبرى لمهرجان كان 2009 وذلك عن فيلم الرباط الأبيض الذي يتحدث عن احداث غريبة تقع في قرية المانية صغيرة قبل الحرب العالمية الأولى مركزا على مفهوم العقاب والعنف وتأنيب الأطفال في قرية خاضعة الى سيطرة صارمة من الآباء والكنيسة وحيث الأذلال على اشده لنساء والأطفال .لقد قدم هانيكة قصة من الماضي ولكنها قصة تتناسب مع المشكلات المعاصرة ولمكانة المخرج وللأصداء التي تركها فيلمه كان معه هذا الحوار :
* هل ان فيلم الرباط الأبيض يشكل امتدادا ام اختلافا عن افلامك السابقة في طرح موضوع العنف والعنف الأجتماعي خاصة ؟
- نعم في هذا الفيلم تحدثت عن العنف , والعنف هو موضوع تناولته في جميع افلامي ، انه جزء مما يجب ان يقوله المجتمع المعاصر الذي نعيش فيه ، ولكني في افلامي السابقة تحدثت بطريقة مختلفة عن موضوع العنف ، وهي طريقتي التي اختلف بها عما تقوله وسائل الأعلام عني وما تقدمه هي ذاتها من موضوعات عن العنف ، لقد طرحت الفكرة بطريقة مختلفة ، رغم انني قد التقي مع وسائل الأعلام في جانب صغير مثل استخدام التعليق الخارجي ( (voice over في بداية الفيلم لكي اعبر عن انعكاس موضوع العنف ولكي اهيء المشاهد لقبول الفكرة .وانت تعلمين ان اي فيلم يحتوي فكرته الخاصة ويحتاج الى تقديم شكل فيلمي معين ، وانا لااعلم فيما اذا كنت سأعود في المستقبل الى موضوع وسائل الأعلام وفي النهاية فأن الفيلم يقدم نفسه ولكن من الممكن في المستقبل ان اصنع فيلما آخر يلامس هذه القضية .على اية حال ، انا لست سعيدا تجاه من يقدمني على انني متخصص في موضوع وسائل الأعلام والعنف .
* هل يمكنك ان تختصر لنا موضوع وفكرة فيلم الرباط الأبيض ؟
- لقد اردت ان اقدم اطفالا خضعوا واجبروا على قبول قيم صعبة من الجيل السابق وان تلك القيم الصعبة اصبحت بالتالي قيما لاانسانية وكانت النتيجة النهائية هي سيادة منطق (الترهيب).
* ولكن السؤال هنا هو ، هل تعني انك بصدد عرض مشكلة تخص المجتمع الألماني تحديدا ، بأعتبار ان الفيلم يعرض احداثا وقعت في قرية المانية ؟
- بالتأكيد الجواب : لا ، الا ان المشكلة وجدت في المجتمع الألماني ولكنها موجودة في مجتمعات اخرى وخاصة تلك المجتمعات التي تبالغ في تطبيق ماتؤمن به وتتشدد فيه وتصبح الفئات الأضعف هي الضحية .ونحن نرى هذه الظواهر بشكل خاص لدى المتدينين المتعصبين والسياسيين كذلك سواء اكانوا من اليمين او من اليسار ، لهذا أأمل ان لااحد يعد هذا العمل على انه معني بالسؤال والأجابة عن المجتمع الألماني فقط.
* وكيف اخترت كل هؤلاء الممثلين ؟
- لقد الهمتني وجوه الناس في الحقبة التي تجري فيها احداث الفيلم ان ابحث عن هؤلاء الأطفال ، كان علينا ان نبحث لمدة ستة اشهر عن اطفال يناسبون هذا الفيلم .واعتقد اننا قابلنا حوالي 7 آلاف طفل .ولكن بالطبع لم اقم بذلك لوحدي بل من خلال فريق العمل والمساعدين العاملين معي . وهذا كان ضروريا لأنني لم ارد فقط وجوها جميلة للأطفال فهؤلاء الأطفال كانت لديهم القدرة على التمثيل وهو امر مهم . واما بالنسبة للكبار فقد كانت المسألة اسهل ، اذ كان في ذهني عدد من الممثلين لأداء ادوار محددة وكذلك كانت لي فرصة سابقة للعمل مع بعض اولئك الممثلين في افلام سابقة .
* وكيف قمت بأدارة الممثلين في هذا الفيلم ؟
-انا افضل عدم اعطاء الكثير من الشرح والتفاصيل للممثلين ، فعندما يكون الممثل جيدا وقرأ السيناريو جيدا واستعد له فأن بمستطاعه ان يكون جاهزا لأداء الدور بشكل متقن ، عندها اشرح للممثل او الممثلة ماهي المشكلة او ماهو الخطأ . ولكن بشكل عام استطيع ان اقول انني دائما ماكنت اعمل مع ممثلين ممتازين ولم تكن لديهم اية مشكلة مع حقيقة انني لااعطيهم مزيد من التفاصيل والشروحات .انا اعتقد ان الأمر برمته يعتمد على حسن اختيار الممثل واستعداده ومثابرته ، اذا اخترت الممثل الجيد لأداء دور مناسب له فأن النجاح سيتحقق ولكن خطة العمل مع الممثل يجب ان تكون واضحة من البداية .
* وما تقييمك لأداء الممثلين في فيلمك بشكل عام ؟
- الجواب هو انني قرأت مؤخرا مقالا مطولا عن الفيلم من زاوية وجهة نظر الآباء والأبناء في هذا الفيلم، وانا لست متأكدا ان كانت وجهة النظر تلك صحيحة ام لا ، في كل حال فأنني لست قلقا من تلك المستويات المتعددة للفهم والوصول الى النتائج .
* ولكن القراءات المتعددة للفيلم ظهرت عندما وجد الصحافيون والنقاد والجمهور انفسهم ازاء كم من الأسئلة التي طرحها الفيلم دون ان يجيب عليها اجابات محددة ..ماقولك في ذلك ؟
- ان هدفي في الواقع هو ان يبقى المشاهد محملا بكم من الأسئلة بعد مشاهدته الفيلم . وانا دائما مااسعى الى تقديم قصة الفيلم بطريقة تجعل الجمهور يتساءل عن مضمون الفيلم . ولكن توفر اجابات لجميع تلك الأسئلة قد يؤدي الى نتائج عكسية . وفي كل الأحوال فأن المشاهد يواصل توجيه مختلف الأسئلة و هذه الحالة نفسها التي تتكرر منذ فيلمي الأول . انني لست الشخص العالم بكل شيء لكي استطيع الأجابة عن جميع الأسئلة التي تتعلق بفيلمي هذا او اي فيلم سابق من افلامي .
يجب ان نفهم العالم كما هو ..كما نراه ..وندركه وان السينمائي هو ذلك الكائن الذي مهمته طرح الأسئلة .
ولو امتلك البشر الأجابات عن جميع الأسئلة لكان العالم في وضع آخر مختلف تماما .
ان اعطاء اجابات عامة عن جميع المشاكل والقضايا هو ليس نوع من السذاجة بل هو نوع من الغباء .وليس من الحكمة تماما ان توفر اجابات عن جميع التساؤلات التي يطرحها الفيلم ، ولكن ربما يكون من المفيد اكثر طرح اسئلة مهمة في بعض الأحيان .
فيلمه "الرباط الأبيض" الفائز بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي2009
ربما هي رؤية اخرى ، ومعالجة اخرى تلك التي تجعل من شخصية ما محورا لكل شيء ليس لأنها البطل الذي لايقهر بل ربما بالعكس ، قد يكون او تكون البطل الهش ، لكنه البطل في صنع تأثيره وسحره الخاص وبثه على كل من هم من حوله . يقودنا ذلك الى الكيفية التي يتم فيها ومن خلالها صنع الشخصية الفيلمية والشخصية الدرامية على العموم ، هو ذلك الخليط الأخاذ من التجاذبات والصراعات التي تفعل فعلها في مسارات الشخصية وخياراتها وهو العنصر الفاعل والأهم الذي بالأمكان التوصل اليه من بين الأشكال النمطية لشخصيات نشاهد منها الكثير ثم مانلبث ان ننساها او تغيب عن اذهاننا ، لكن شخصية ما ليس بسبب خارقيتها وانها استثنائية بفضل مايحيط بها من ضجيج بل بقدر ما تحمله من سحر وتأثير ساحر ، تأثير بسيط ولكنه فاعل وعميق ، بصرف النظر عن قوة الأفعال والأحداث الا ان هنالك مساحات اخرى للشخصية قد لانراها مباشرة ولكننا نستشعرها ونتفاعل معها .. من هنا سيكون الحديث عن الشخصية هو حديث عن المهارة والتمكن من صنع شخصية استثنائية تتكلم حين يصمت الآخرون وتصمت حين يتكلمون ، تحضر في لحظة الغياب الأنساني ، وتتمرد على ذاتها والقوقعة التي وجدت نفسها فيها .
وبالطبع يأتي كل ذلك متساوقا مع كلام كثير عن البنية الدرامية وعن بناء الشخصيات وابعادها وهي اولى اسس ومهارات كاتب السيناريو ، لكن المشكل يكمن ليس في تأسيس هياكل الشخصية البنائية ودافعياتها الشعورية واللاشعورية واهوائها واهدافها وتحولاتها بل في نحت شخصية ليست نمطية وليس من السهل ان تتكرر او تتشابه مع اخرى ، ربما كان ذلك هو احد المشكلات في كتابة الدراما الفيلمية : انك تمتلك الأدوات التقليدية لصنع الشخصية الفيلمية في الفيلم الروائي ولكنك تؤسس تكرارا ونمطية ولاتجد في تلك الشخصية الجديدة اختلافا عن عشرات اومئات غيرها ، فالقواعد التقليدية لصنع الشخصية الفيلمية من جهة والأمتداد الواقعي للشخصيات هما تحديان مع انهما عنصران دافعان مهمان لأنهما يقودان اما الى صنع شخصية استثنائية ساحرة ومؤثرة وتتميز بابعاد جمالية مميزة او انها تسقط في دوامة التكرار واللاجديد ..
ولعل الفيلم الأسباني " انجريد" المصنوع حديثا لمخرجه (ادوارد كورتيس) يدفع الى مزيد ومزيد من القراءات والحديث عن الشخصية الفيلمية وبنائها ودوافعها وافعالها ، فالفيلم يقدم مجموعة من الشخصيات التي لن تشكل في النهاية الا كورالا يردد اصداء الأصوات التي تطلقها انجريد ، فهذه الفتاة ليست الا فتاة عادية في ملامحها ودورها وعلاقاتها لكنها في الوقت نفسه تصنع من البساطة ابعادا اخرى مختلفة تجعلها محورا فاعلا مهما ليس في تغيير مسارات الصراع او الدراما الفيلمية بل في العزف على اوتار حياة موازية لتلك الحياة اليومية
الروتينية .
يعيش ( اليكس ) فصلا جديدا من فصول حياته الزوجية التي لايكتب لها النجاح وتختتم بلقاء عابر مع الزوجة التي تطلب منه ان يغادر ، ان يجمع اغراضه من المكان الذي يتقاسمان العيش فيه لأن بقائهما معا اصبح مستحيلا والمسألة ليست فيها عدوانية وشجار ازواج لكن ( اليكس) يجد نفسه في مواجهة قدره الذي لامفر منه ولهذا يبدو حائرا مرتبكا في كيفية تصريف شؤون حياته وحتى ان طليقته التي وجدت ظالتها في شخص آخر تجد له سكنا آخر وتكون قد استأجرته ليسكن فيه . في اللحظة الأولى لوصوله لمكانه الجديد يلتقي (انجريد) التي ترحب به وبلا تكلف تعده صديقا ثم تعرض عليه ان يستخدم سيارتها الخاصة ان هو احتاج الى ذلك ...وبزوال تلك العوائق الشكلية لتعرف الناس ببعضهم للوهلة الأولى تتدفق صور تلك الحياة المجهولة لأنجريد ، فهي تعيش ذكرى المشاهد الأولى من طفولتها واسألتها المدوية عن الموت والحياة وانها كلما اغمضت عينيها سيكون هنالك انسان آخر قد مات واناس يعذبون في مكان ما من الأرض او تحت الأرض ومع احدى اغماضاتها ستغيب الأم والأب والعائلة جميعا وتجد انجريد نفسها وحيدة لكن اصداء الموت والموتى والحياة الأخرى تتردد اصداؤها في مسامعها ، هي انسانة قررت ان تزيل الحواجز عما حولها وتجعل الأشياء تمضي الى طبيعتها : بيتها بلا ابواب ، قررت رفع الأبواب الداخلية ماعدا الباب الخارجي ، هي صانعة للأبداع ، يتخطى الفن بالنسبة لها كل الحدود والحواجز ويكتشف ( اليكس ) صور ذلك الفن وتجلياته في حضوره حفلات انجريد الصاخبة ، هي تصنع مشاهد وعروضا مسرحية قوية وبالغة الحدة والـتأثير وتلهم زملائها ذلك الأبداع في الصورة والسنوغرافيا وتمثلات الجسد دون ان تستطيع ان تكون لرجل واحد بعجزها عن ان تحب انسانا حبا يمثله العشق والأمتلاك الجسدي ، في عرفها ان الحواس تعبر عن نفسها بطريقة آنية ما دون ان يغدو الوقت كله للحواس وهوما يعذب عشاقها الذين تجد واحدهم اسير حب تقليدي عرفه وعاشه بينما لايمكن لأنجريد ان تعيشه ، وهو مايبعث اولئك المحبين لفتنتها وسحرها وعذوبة شخصيتها الى الهياج والصراخ والأحساس بألم من عدم القدرة على الأحتفاظ بأنجريد المحلقة في فضاء ذاتها غير القادرة ان تكون جسدا لشخص واحد يمتلكها وقتما يشاء ، حواسها تتلمس طرقا ابعد وعوالم ابعد الى تخوم غير مرئية وعوالم تتدرج كألوان الطيف ، لكن تلك الأكتشافات التي يصنعها الفيلم والأبداع ليست بالضرورة مريحة وممتعة ولذيذة دوما ، بل قد تكون خبرات مؤلمة ايضا ، ولهذا لاتتردد هي عن تجربة الألم ، وتبحث عن من يمنحها ذلك الألم ، ذلك العجوز الألماني المتخصص في صنع تلك المشاهد السادية بأستخدام الكلاليب التي تخترق الجلد ، لااحد يستطيع ان يوقف رحلة انجريد الى عالم الألم هذا ، انه عالم مكمل للذات الحالمة بالفن والأبداع ، يتكامل الألم مع اللذة غير المرئية ، ورغم شقاء اصدقائها مما تصنعه وشعورهم بالألم من جراء ذلك الا انهم لايملكون الا البقاء قريبا منها ، ربما رعايتها وحبها دون ان يستطيعوا ان يوقفوا جموحها ‘ فهي اذ تصنع الجمال ولذة الأبداع فأنها تشرك اصدقائها ، تريدهم ان يعيشوا معها ذلك وفي الوقت نفسه هي تسعى الى اشراكهم معها لحظات الألم ايضا لأن الحياة ليست متعة وسعادة فقط بل هنالك مناطق للألم ايضا .
كل هذا يرصده الجار الطيب المسالم (اليكس) الذي يدهشه هذا العالم ويجد في انجريد صورة اخرى للمرأة التي فقدها توا ، بطلاقه وانفضاله النهائي ، لكنها امرأة استثنائية هو يشعر انه لايستطيع بسهولة الأحاطة بعالمها والأمساك بحدود شخصيتها وموقعها بالنسبة له ، فهي تبادله مشاعر انسانية رقيقة دون ان تلمسه او يلمسها ، هما صديقان حميمان وهو قريب منها جدا لكنه ليس حبيبها ولاعشيقها ، بل هو كل هذا حينا وهو ليس اكثر من عين راصدة وشخص يراقب ماحوله فيما يخص انجريد دون ان يكون له دور او تأثير خاص ، هي تقربه من عالمها وتعرفه بجميع اصدقائها ويعيش معها الفصول شبه اليويمة في بيت بلا ابواب وفنانون بلا حدود وحب بلا انانية الأمتلاك ، يتجلى ذلك في ورشة متواصلة للأبداع في داخل بيتها ، هنالك دوما الموسيقى الغناء والرقص والتمثيل وكل شيء ، لكن انجريد قد تثور وقد تسخط ، وتجدها عجلى غير قادرة على التوقف مع حالة شخص او شاب ما يخطب ودها لأنها تريد الرحيل الى عوالم اخرى قد لايرونها وتلك هي الصدمة الجديدة التي يكتشفها الجار المسالم عندما تخبره يوما انها اكتشفت انها تصحو من نومها بعد انتصاف الليل او مع الفجر وتخرج بملابس النوم وتركب سيارتها دون ان تعرف الى اين تذهب فترجو منه ان ينصب كاميرا عبر النافذة وفي مواجهة سيارتها لتصويرها وهي خارجة ، لكن الفضول من جهة والقلق عليها من جهة اخرى يدفعه الى تتبعها واقتفاء اثرها ، فيلاحقها بسيارته ليجدها تدخل وهي حافية القدمين وكمثل السائر في نومه غير شاعرة بشيء ، يجدها تدخل نفقا طويلا ينتهي بالدخول في مكان يوصد بابه تماما بعد دخوله لتجد نفسها مع مجموعة من الأشخاص المسنين الذين يجلسونها في وسطهم وكمن يحاكمها وماتلبث ان تخرج بعد ان يعجز هو عن الدخول الى ذلك المكان ، وتتكرر القصة مرارا ودون ان يجد هو لمايحصل تفسيرا كما تمتنع هي عن تفسير مايقع .
وتبدو بعد هذا كمثل الزائر المتعجل الذي يريد انهاء مهمة بقائه سريعا دون ان يكون له ارتباط عميق ووثيق بأي كان وهي خلال ذلك في كلماتها الموجزة والمنتقاة تطرق على اكثر من وتر مخلفة سحرا خاصا وتأثيرا ملفتا تتركه على كل من هم حولها .
تمضي يومياتها فصولا من اكتشاف الذات عبر الفن وامتزاج الأصوات مع الموسيقى مع الرسم مع النحت من الألوان الشفافة التي تحيط بها ، وفي موازاة ذلك رسم خط النهاية بالنسبة لها ، وهي تلك اللحظة الفاصلة في حياتها عندما تخرج للمرة الأخيرة والنهائية فتلاحقها صديقتها في هذه المرة’ وتذهب انجريد الى المكان نفسه ليتم احراقها هناك ...لكنها وقبل زمن كانت قد اسرت صديقتها ان تحتفظ بشريط فيديو لديها وان لاتعطيه الا الى ( اليكس) ولكن ليس قبل موتها ...لايصرخ ( اليكس ) ولايبكيها ، لكنك تشعر ان موتها قد سحقه ووجه له ضربة عنيفة فهي متغلغلة لاشعوريا في اعماقه وشخصيتها متجذرة في وعيه ولاوعيه ...في اللحظة التي ينتظر فيه امرا يجهله مما يحمله شريط الفيديو الذي تركته انجريد له ...يجدها وهي تطل عليه بوجهها الطفولي على الشاشة وبابتسامة غامضة ..قائلة : لقد انتهى كل شيء . ويتلك النهاية ينتهي الفيلم .
الممثلة ( ايلينا سيرانو ) التي جسدت دور انجريد بهذه البراعة والتمكن ، هذا الفيلم هو فيلمها الأول ، الذي تفوقت فيه على نفسها وتجلت مهارات المخرج المتمكن الذي ادار تلك اللعبة الغرائبية ببراعة ، لاشك ان مساحة الغرائبية في الفيلم لاتشكل الا مساحة محدودة بالقياس الى مساحات اوسع تجلت من خلالها انجريد وقدمت دورا مؤثرا ، غاصت فيه في اللاجدوى واللاشعور والوعي السالب وازمات المبدع وتجلياته وجنونه وعزلته وانانيته ونرجسيته احيانا وحنوه وعاطفيته وانسانيته في احايين كثيرة ، انجريد هي انسان الأزمة ، المرأة – الطفلة المحاصرة بذاتها وبالألم ، والحيرة والوحدة وعدم القدرة على الأنتماء القائم على الأمتلاك والأنانية ...
ولعل قراءتي لهذا الفيلم تختلف عن قراءات لأفلام اخرى من ناحية تلمس العناصر الجمالية والحلول الأخراجية وماالى ذلك ، لأن هذا الفيلم عصي على التوقف عند اخراجه او تصويره بشكل مجرد بقدر ما يكون الأقتراب من عالم انجريد الشاعري الأبداعي الأنساني الواقعي الرومانسي الوحشي في آن معا بمثابة قراءة لكل العناصر الفيلمية التي امتزجت واتحدت لتقدم هذه الشخصية وهذه الدراما المتميزة في كل شيء لدرجة انك ومع كل جنون انجريد ورعونتها وطيشها احيانا لاتملك الا ان تحبها وتتمنى ان تشاهدها مرات ومرات بسبب السحر والجمال والمتعة الذي تتركه .
الفيلم انجرد
اخراج ادوارد كورتيس
تمثيل ايدوارد فاريلو ( اليكس) ، ايلينا سيرانو (انجريد
2009 انتاج
الصراع وفكرة الغزو تتجدد ولو بعد مئة عام
جندي من المارينز يتساءل : " من اجل ماذا يسلمون اوطانهم ؟: من اجل البيرة الخالية من الكحول والجينز الأزرق؟"
الدراما الفيلمية تتصاعد وتجد الأحداث دافعيتها في ظل صراع شرس من اجل البقاء
افاتار فيه مساحة هائلة من الأبتكار الذي لم يسبقه اليه فيلم آخر : ابتكار الشخصيات ، ابتكار البيئات ، ابتكار الكائنات والمخلوقات الغريبة وابتكار الشكل السينمائي
قصة اقوام (النافي) في الفيلم تتماهى وتلتقي مع العديد من قصص الشعوب المقاومة للغزاة على مر العصور
من اهم الأبتكارات هو مجتمع ال "اومي تيكايا" الذي صنعه كاميرون في هذا الفيلم
نقلة هائلة على صعيد الصورة الثلاثية الأبعاد والمزيج الخلاق بين الواقع و المقابل الأفتراضي
لماذا حجبت الجوائز الكبرى للأوسكار عن افاتار ومنحت لخزانة الألم؟
طاهر علوان
ترى الى أي مدى يمكن ان تمتد رغبة الأنسان ، طموحه وسعيه، ان يخرج من كينونته الآدمية متحولا الى كائن آخر يعيش في ازمنة واماكن اخرى ، يستكشف فيها عوالم غير مرئية ولامدركة بالحواس البشرية المعتادة ..والى أي مدى يمكن ان نمضي مع هذا الخيال المتدفق الجامح ؟
لاشك ان لاحدود تحد هذا الخيال ، ولا اطر تؤطره مادام قادرا على مزج واقعه وكينونته الفيزيائية بواقع وكينونة اخرى لاسيما في ظل المزيد والمزيد من الأخبار والتنبؤات والأبحاث في موازاة الخرافات التي تتحدث عن وجود كائنات وعوالم اخرى تعيش بعيدا عنا بملايين الأميال بل ان هنالك من يتحدث عن اقوام يعيشون في كواكب بعيدة وهم على مستوى متقدم في ميادين العلم بل يمتلكون خارقيات لاقبل للعقل البشري باستيعابها .
من هنا تجد افلاما وقصصا من هذا النوع قبولا ورواجا ونجاحا ويستقبلها الكبار والصغار بمزيد من الأهتمام ..وهكذا اطل المخرج ذائع الصيت (جيمس كاميرون ) صاحب التيتانيك ومحطم الرقم القياسي في الواردات في شباك التذاكر متجاوزا المليار دولار ، يطل علينا في فيلم (افاتار) ليصنع في اوساط جمهوره دهشة عظيمة وغير مسبوقة مصحوبة باهتمام اعلامي ودعائي كبير ..فالأفاتار ، ذلك الكائن الذي انتجته مختبرات التجارب والأبحاث الأمريكية صارت ولادته بمثابة ولادة عصر جديد للسينما يدشنه كاميرون من خلال التقنية ثلاثية الأبعاد التي قدمت عالما ساحرا وخلابا مليئا بالأساطير والدهشة وصولا الى التفاعل الذي يستشعره المشاهد مع ذلك الأفاتار العجيب ..
مختصر القصة
تقرر قوات المارينز الأمريكية ان تنفذ خطة اجتياح كوكب بعيد عن الأرض بعد عدة عقود من الآن وازاحة السكان الأصليين لغرض السيطرة على معدن ثمين يسمى (يونوبتانيوم) ، ولهذا الغرض يقرر ارسال الجندي جايك (الممثل سام وورثنغتون ) بديلا عن شقيقه الذي قتل في حادث وبسبب الخريطة الجينية لكل منهما يتم ارسال هذا الجندي المشلول والذي يتنقل على كرسي متحرك الى ذلك الكوكب ولكن بعد اخضاعه الى برنامج مكثف ومعقد يتحول فيه الى افاتار ، كائن بطول ثلاثة امتار ، ازرق اللون وله ذنب ، ولكنه وهو يصل الى ارض ذلك الكوكب يبقى على اتصال مع جسده الأصلي الذي يخزن في شبه تنويم مغناطيسي وبعد وصوله الى كوكب(باندورا) المجهول يعيش مغامرات عدة ويقع في غرام فتاة ويحتجز بقصد التخلص منه لكن ملكة الكوكب تقرر الأفراج عنه في مقابل ان تعلمه ابنتها عاداتهم ولغتهم وينتهي به المطاف الى التعاطف مع سكان الكوكب وانضمامه للدفاع عنهم ضد غزو المارينز في معركة غير متكافئة تستخدم فيها امريكا – كالعادة- جيوشها الجرارة واسلحتها التدميرية الفتاكة وتكنولوجيتها المتقدمة في مقبل قتال اهل ذلك الكوكب بالقوس والنشاب و العقيدة الروحية العميقة لتندحر قوات المارينز في النهاية .
بين الميثولوجيا والتكنولوجيا
لعل اول مايلفت النظر في هذا الفيلم هو ذلك المزيج المدهش مابين الميثولوجيا وبين مستحدثات العصر التكنولوجي ، فقصة اقوام (النافي) .ربما تتماهى وتلتقي مع العديد من قصص الشعوب المقاومة للغزاة على مر العصور ، كما ان ايمان سكان الكوكب بالغيب والميتافيزيقيا هو عزف آخر على وتر الشعوب التي تعيش في داخلها معتقداتها الروحية دون ان تتخلى عنها ، ولهذا يتم التنويع على تلك العقيدة الروحية من خلال اظهار مشاهد الغناء او الصلاة او التراتيل الجماعية والثقة بالطاقة الروحية التي تنطوي عليها تلك الشجرة العملاقة المسماة (شجرة الأسلاف) والتي تقع تحت ظلالها وفي اكنافها مقتلة عظيمة تنتهي بأحراق الشجرة ماديا دون ان تحترق الروح والطاقة الروحية التي تختزنها تلكم الشجرة لاسيما وانها شجرة تنطوي على صلة عميقة مع الأجداد ، وتجد في حديث الأم الملكة الكثير من تلك الترانيم والطقوس التي تنتشر في ثقافات الهنود والأزتيك والبوذيين وغيرهم مما تم مزجه عبر شخصيات تلك القبيلة ، وفي مقابل ذلك تبرز التكنلولوجيا في ارقى ماوصلت اليه العبقرية العسكرية والأستخبارية والتجسسية الأمريكية ، انهم جميعا يقيمون في شبه مكوك يديرون عملية التخطيط لغزو الكوكب ، والتكنولوجيا هنا هي الوجه المقابل العكسي لتلك العوالم المطموسة والمجهولة لسكان الكوكب ، ومابين تلك الكفاءة التكنولوجية في المراقبة والرصد وفي الطائرات والمروحيات غريبة الأشكال ، يبقى الهدف واحد الا وهو : الغزو والأحتلال ، استخدام التكنولوجيا للأستحواذ على ثروة شعب مسالم ينظر اليه المارينز على انهم مجرد حيوانات جاهلة لاتستحق ان تمتلك تلك الثروة
مجتمع "اومي تيكايا"
من الأبتكارات الخلاقة التي ابدعها جيمس كاميرون : سيناريو واخراجا وتصويرا ومؤثرات وخدعا بصرية وادارة انتاجية و ادارة فنية ، من اهم هذه الأبتكارات هو مجتمع ال "اومي تيكايا" الذي صنعه في هذا الفيلم ، انه مجتمع افتراضي والكائنات فيه افتراضية ، لكنها تمتلك سر قوتها الخاصة ابتداءا من الملامح المشتركة للشخصيات التي تم نحتها بعناية فائقة وتقديم كائنات لايملك المرء الا ان يتوقف عندها وقد لايقبل اشكالها للوهلة الأولى متسائلا ان كانت شريرة ام طيبة ؟ واذا كانت شريرة فأنها تبرر استئساد ( الأصدقاء الأشاوس ) مارينز امريكا لتأديبهم وتلقينهم درسا ديموقراطيا ، ولكنك سرعان ماستقبل تلكم الشخصيات وتسيغ طباعها ثم تدريجيا تحب خفة حركاتها ثم تندهش من بساطتها ثم تعجب بطيبتها ثم تتفاعل مع حكمتها ثم تجزم ان ماتراه ليس الا مجتمعا مسالما يكتنز قوة روحية تعينه على البقاء هكذا كأي مجتمع بدائي بسيط ولكنه ليس مجتمعا من آكلي لحوم البشر بل انه مجتمع متسامح بدليل انه قبل اكثر من واحد ممن يسمونهم (سكان السماء) وكان جندي المارينز احد الذين قبلت تلك القبيلة ان يكون عضوا فيها .
ويضاف الى خواص ذلك المجتمع انه ومن وجهة نظر انثروبولوجية يمتلك مقومات المجتمع المنظم ، وفيه تركيبة اجتماعية متماساكة وتسود فيه قيم الطاعة والألتزام والعمل المثابر ومازلنا في حدود مجتمع افتراضي ولكنه مجتمع حي مع ان افراده غرباء الأشكال بأطوالهم التي تقترب من ثلاثة امتار واشكال عيونهم وانوفهم فضلا عن الذنب المدهش الذي يتلوى اسفل ظهورهم .
وتكمل كل هذا بيئة افتراضية ، بيئة ساحرة ومدهشة وكل ماستقوله عنها قليل ، فأشكال الشجر والزهور والجبال والسهوب والوديان والبحيرات والأحراش لاتملك ازاءها الا ان تعجب وتتعجب من تلك العبقرية التي انتجت كل هذا الجمال ، لتكتمل الصورة مع تلك الكائنات الطائرة او الزاحفة ، اشكال افتراضية لحيوانات تشبه الديناصورات لكنها بأجنحة تحلق بخفة وتناور في الجو بخفة تبز فيها الطائرات المقاتلة ثم هنالك تلك الكائنات الطائرة المسماة (ايكران) وهو نوع وحشي منه ومن يستطيع قهر الأيكران هذا فأنه يستحق ولاء القبيلة واحترامها لأن ذلك يعني انه يمتلك قوة خارقة وذلك مايحصل مع صاحبنا ( الأفاتار- جندي المارينز سابقا) والذي تنحني له القبيلة وتتوله فاتنتهم ( نايتيري- الممثلة زاو سالدانا ) وتتيه فيه حبا وغراما .
مجتمع المارينز
هنالك في المقابل مجتمع المارينز الذي فيه مافيه من طباع الفرد الأمريكي وكذلك طباع وكلمات وسلوكيات وحركات الجنود الأمريكان المارينز الذين كرست (الميديا ) الأمريكية الجبارة كل عبقريتها وامكانياتها لتمجيدهم وارعاب الناس من بطشهم ، هذا المجتمع سيتمثل سريعا في افواج من المحاربين المكلفين بغزو ذلك الكوكب دون ان يسأل واحدهم : لماذا ؟ وما جريمة اولئك القوم كي نحرقهم بالقاصفات وندمر ارضهم ونحرقها بالقنابل ونمزق اجساد ابنائها ...لماذا؟ لا احد يسأل هذا السؤال ولا احد يجيب ماعدا وصف احدهم سكان ذلك الكوكب الذين يعيشون في شبه محمية طبيعية ويكتنزون طاقة روحية اذ يقول فيهم قولا مأثورا :
" الأقوام الذين لديهم تواصل روحي هم مجرد حيوانات بذنب"
وفي المقابل هنالك صوت هامس مستنكر ساعة صعود المارينز تلك المركبة التي ستقلهم الى ذلك الكوكب اذ يقول :
"المارينز المدافعون عن الحرية هم هنا مجرد صعاليك"
ومايلبث آخر ان يردد معبرا عن فكرة الغزو ومسخ ثقافة الآخر قائلا:
" من اجل ماذا يسلمون وطنهم ؟ من اجل البيرة الخالية من الكحول والجينز الأزرق؟"
هذه هي المعادلة التي تلخصها مهمة المارينز ، انهم خاضعون لسلطة الجنرال العدواني (ستيفن لانج ) في مقابل تعاطف العالمة (جريس – الممثلة سيجورني ويفر) التي تمثل نقطة توازن انساني تدفعها الى اكتشاف تلك الأقوام المجهولة لأقامة صلة معها ومع كوكب الأرض دون ان يقع في خاطرها فكرة القتل والغزو وهي التي تعيش حلمها الكبير ان تصل الى الشجرة المقدسة لأخذ عينة منها ومن جبال (الهلالويا) وتكون المفاجأة انها تلفظ انفاسها تحت تلك الشجرة المقدسة معبرة عن تواصل روحي مع اموات تلك القبيلة وفيما مجتمع المارينز مدجج بالتكنولوجيا المتقدمة ، بالقاصفات والقنابل والمروحيات الهجينية الغريبة التي ابدعتها عبقرية المخرج ، الحاصل انك لاتخرج من مجتمع المارينز الا بصورة نمطية للجيش الذي لايقهر واذا بتلك القبيلة البدائية تحطم كل ذاك الكبرياء بفضل الطاقة الروحية والدفاع المستميت الذي مارسه افراد القبيلة وبالطبع مع مهارات الأفاتار الذي ابلى بلاءا حسنا وعلى يديه كان اندحار الجنرال الشرس والعدواني الذي بمقتله ينتهي كل شيء وذلك في مشهد صراع شرس وقتال دامي يشبه كثيرا العاب الفيديو التي يولع بها الفتيان والفتيات بمعنى اني اعده من اضعف مشاهد الفيلم على الأطلاق .
الدراما الفيلمية والبنية السردية
مما لاشك فيه ان فكرة الصراع هي فكرة راسخة وعميقة في هذا الفيلم ، فالدراما الفيلمية تتصاعد بشكل منطقي وتجد الأحداث دافعيتها وتصعيدها ، وتتدرج تلك الدراما في ظل صراع شرس من اجل البقاء وليس اشد قوة درامية من فكرة الصراع من اجل البقاء ، وحتى بالنسبة للأمبراطورية الغازية هنالك دافع لقتل اولئك القوم في ذاك الكوكب ، ربما لأنهم لايستحقون الحياة او لايستحقون تلك الثروة الهائلة المتمثلة في معدن (اليونوبتانيوم ) الثمين ، ربما هو تخريج بشع ولا انساني ولكن (كل قوم بمالديهم فرحون) بمعنى ان الأمبراطورية اذ تخوض صراعها الشرس وتزج بالمارينز زرافات ووحدانا الى محارق الحروب فأنها تكون قد بلغت شأوا في اقناع شبابها بشرعية تلك المهمة وتاليا شرعية هذا الصراع من اجل البقاء ، وعلى هذا ينقسم البناء الدرامي على وفق دافعيات متعددة ولكنها تختصر في دافعية المارينز ودافعية قبيلة (نافي ) ولهذا تنقسم الأحداث بالقسطاس على هاتين الدافعيتين ونمضي الفيلم ونحن اما في مقصورة قيادة المارينز المحجوبة عن التلوث الذي يمثله كوكب (باندورا) لأن خواص المارينز البيولوجية كبشر – بحسب الفيلم- لاتمكنهم من العيش في تلك البيئة لأنهم اذا مااستنشقوا هواءها فسيموتون فورا ولهذا يرتدون الأقنعة اذا ماخرجو الى ذلك الفضاء او على ارض الكوكب .
في المقابل تجري اعادة صياغة الزمن الفيلمي بشكل محسوب ودقيق ، مما يمنح السرد الفيلمي قدرا كبيرا من التماسك والموضوعية وينسحب ذلك حتى على الأيقاع الفيلمي مابين بيئتين متباينتين تباينا صارخا ، فالأيقاع عند التصوير على ارض ذلك الكوكب الأفتراضي حيث الحياة البسيطة والتفاعل اليومي مع الطبيعة هو ليس نفسه الأيقاع المتسارع ونحن في مقصورة قيادة المارينز التي تتسيد فيه التكنولوجيا ولغة الكومبيوتر المتطورة ، وعلى هذا اكتسب السرد الفيلمي خواصه المميزة في تأسيس سلسلة من البنى الفاعلة وكمايلي:
- البنية السردية الفاعلة الأولى : وتتمثل في دافعية المارينز للغزو والأجتياح وهي دافعية جمعية بمعنى انها غير مرتبطة بالشخصية الرئيسية في الفيلم او من حولها وهم بضعة افراد وعلى هذا كان من الصعب التخلص من تلك الدافعية او تجاوزها او حرفها عن مسارها بل ان العكس هو الصحيح اذ كانت تلكم الدافعية سببا في اذعان المجموعة لقرار الغزو وهو ماشكل بنية سردية فاعلة محركة لمايلي من نتائج .
- البنية السردية الفاعلة الثانية وهي الدافعية الذاتية : وتتمثل في دخول الشخصية الرئيسية (جندي المارينز ) دائرة الفعل السردي منطلقا اولا كما يبدو للوهلة الأولى من الرغبة في الأكتشاف ربما ، ثم ليتطور الأكتشاف بعد خوض التجربة الى مغامرة غير محسوبة ساعة ان تطأ قدماه ارض الكوكب المجهول فيخوض صراعا مع كائنات ومخلوقات شتى وتتطور تلك المغامرة الى علاقة حب مع ( نايتيري ).
- البنية السردية الثالثة : وتتمثل في دافعية قبيلة (نافي) المدافعة عن نفسها في وجه الغزو والأجتياح والقتل والحرق والتخريب الذي تمارسه جيوش المارينز المدججة بأسلحة الفتك الجماعي ، وهي دافعية جمعية موازية طبعت الشخصيات وكنا ازاء قرارموحد تم بموجبه صياغة الأفعال والأحداث على وفق اتجاه واحد يتمثل في التخلص من ذلك الحتم المدمر ولاسبيل الا بتصعيد السرد الى درجة الصراع الشرس من اجل البقاء .
السينما ثلاثية الأبعاد ابتداءا من افاتار
كلام كثير انتشر مواكبا عرض الفيلم على انه بداية عصر جديد للسينما ثلاثية الأبعاد حتى قال البعض ان هنالك زمنان سينمائيان وتاريخان سينمائيان وهما ماقبل افاتار ومابعده .
ولاشك ان الفيلم يشكل نقلة هائلة على صعيد الصورة الثلاثية الأبعاد وذلك المزيج الخلاق بين الواقع والشخصيات الحقيقية وبين المقابل الأفتراضي لها والذي تصنعه برامج الكومبيوتر المتطورة ، لكن النقطة الفاصلة هنا تكمن في النجاح الباهر الذي وصل اليه صانعوا هذا الفيلم في ادماج المشاهد بذلك العالم الأفتراضي ، بمعنى ان الأحساس السابق المتراكم الذي كان ينظر الى تلك السينما التي انتجتها التقنيات الرقمية بدأ يتلاشى بالتدريج بل ان تفاعلا خلاقا من لدن المشاهدين بأمكانك ان تتلمسه مع كل كل من شاهد الفيلم : هنالك احساس عميق بالطبيعة وحركة الموجودات وماالى ذلك بمعنى ان تلك البيئة الغرائبية لم تعد كذلك بل هي بيئة اليفة وممكن قبولها بل وان نحبها بأشجارها وطيورها ومخلوقاتها الغريبية .
وعلى هذا كانت التقنية ثلاثية الأبعاد في هذا الفيلم قد حققت سبقا ونجاحا سيجعل الآخرين يلهثون للحاق بهذه المخيلة المدهشة التي انتجت كل هذا الجمال اللوني والصوري واعطت للمكان بهاءا حلميا وشاعريا خاصا .
سينما المخرج( كاميرون ) القائمة على ادهاش المشاهد من جهة وتقديم شخصيات وموضوعات مؤثرة كما هي في اغلب ان لم نقل كل افلامه تجدها هنا امام امتحان هائل يتمثل في كيفية نقل تلك المغامرة المكررة الى درجة الملل الا وهي مغامرات حرب النجوم واجتياح كواكب اخرى وخوض الحروب معها ،كيفية نقلها من هذا النطاق الى ماشاهدناه في افاتار ، كيفية تجسيد خيالات الكاتب ( وهو المخرج نفسه) مرورا بالتكنولوجيا الرقمية ثلاثية الأبعاد ؟ اذ لو اخفق الفريق التقني في ترسيخ القناعة لدى المشاهد والتفاعل مع الشخصيات والأحداث لكانت تلك التقنيات ليست اكثر من مؤثرات بصرية مصطنعة .
ولاشك ان المخرج كان ذكيا الى حد كبير في اخياره لذلك الأدماج الخلاق مابين التقنية ثلاثية الأبعاد وبين الخط الواقعي بمعنى ان لديه جمهور جاهز يعد بالملايين في جميع القارات ممن ادمن العاب الفيديو والمغامرات الحربية حتى انك تستطيع وبلا تردد ان ترشح الفيلم لكي يشاهده الشباب ومن هم في سن المراهقة ممن درجوا على ممارسة العاب الفيديو القائمة على الصراع والقتل المتواصل من اجل القتل ، لكننا هنا امام مسألة اخرى ممثلة في قصة انسانية فيها كثير من المقومات الأخلاقية خلاصتها حق الشعوب في العيش الآمن والتمتع بحياتهم وثرواتهم والحفاظ على معتقداتهم وبنية مجتمعاتهم وهو مامثلته قبيلة (نافي ) في مقابل النزعات العدوانية والأنتقامية وعقدة ابادة المجتمعات الأخرى وتخريبها وقتل ابنائها ونهب ثرواتها وهو مامثله جيش المارينز ، ولعل هذا هو العنصر المفصلي في الفيلم الذي جعل كل ذلك الجمهور العريض يندفع متلقفا تلك التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد المندمجة مع قصة انسانية مضافا اليها ذلك الحب الشفاف والعميق بين الأفاتار وبين ( نايتيري ) وهي علاقة اضفت على الفيلم بعدا رومانسيا آخر مؤطرا بسؤال قد ينشأ في داخل المشاهد قوامه : ياترى كيف يحب الأفاتار بعضهم ، كيف هي عاطفتهم ؟ بل وكيف يتبادلون القبل فيما بينهم ؟ وكيف يشاركون بعضهم البعض التعبير عن العاطفة والحب في السرير ؟ فكيف اذا كان ذاك السرير ليس الا احضان الطبيعة الساحرة ؟
المارينز المنتصر حتى لو كان مشلولا ومقعدا !!!
لاشك ان تمجيد الفرد هي سمة غير مباشرة في كثير من الأفلام الأمريكية خاصة تمجيد افراد المارينز والمحاربين المضحين من اجل نشر القيم الأمريكية الديموقراطية ، لكننا هنا امام مسألة اخرى الا وهي ان المارينز يواصلون مهمات الغزو واجتياح الشعوب الأخرى حتى بعد مئة سنة او اكثر من الآن لأن الفيلم يتحدث عن العام بمعنى ان البشرية حتى ذلك الحين ستبقى اسيرة عقدة غزو الآخر من وجهة النظر(المارينزية !!!) ، وستضاف اقوام اخرى للقائمة اضافة للهنود الحمر والفيتناميين والبناميين والأفغان والعراقيين وغيرهم ، لكن المارينز تقدم قدرة خارقية جديدة وهي ان افرادهم حتى المعاقين والمشلولي الأطراف منهم ، هم جاهزون لتلبية نداء الغزو والأجتياح كما هو هذا الفيلم ، وبالرغم ان الشخصية الرئيسية ( جندي المارينز ) لايقابل الا بالسخرية من لدن اصحابه للوهلة الأولى متسائلين كيف يمكن لمعاق ان ينظم الى حملة عسكرية كبيرة تحتاج الى الجهد البدني وطاقة التحمل؟ وهو تمهيد ذهني للمشاهد خلاصته : اننا سنريكم كيف بأمكان هذا الجندي المعاق من افراد المارينز ان ينجز مهاما يعجز عن انجازها الوف البشر غير المعاقين وهو ماكان فعلا ، لكن (بمالاتشتهي السفن) ان تجري الرياح بعكس الأستراتيجية التقليدية في الأنتصار الهوليوودي وزهو سحق الآآخر ، ما صححه ( كاميرون) هو ان المارينز المدججين بأمرين هما: عقيدة الغزو و القوة الهائلة : الحربية والتكنولوجية قد يهزمون على ايدي اقوام بدائية تقاتل بسلاح بدائي هو القوس والنشاب لكنها تتمتع برضا روحي ويقين بالأنتماء الى ارضها والحفاظ على معتقداتها .
لماذا حرم افاتار من الجوائز الكبرى للأوسكار؟
سؤال ردده ملايين البشر في انحاء الأرض وتحدثت عنه الصحافة والمهتمين ..فالأفاتار يستحق عن جدارة وبلا ادنى شك ولا منازع جائزة احسن فيلم وباقي الجوائز المهمة كأحسن اخراج وسيناريو ومونتاج وهو يمتلك المؤهلات التالية التي لايمتلكها منافسوه :
انه فيلم متكامل العناصر الفيلمية : اخراجا وموضوعا وقصة وسيناريو واخراجا ومونتاجا وموسيقى ومؤثرات بصرية .
انه فيلم فيه مساحة هائلة من الأبتكار الذي لم يسبقه اليه فيلم آخر : ابتكار الشخصيات ، ابتكار البيئات ، ابتكار الكائنات والمخلوقات الغريبة وابتكار الشكل السينمائي .
انه فيلم يؤسس لعصر جديد حقا في مجال السينما ثلاثية الأبعاد ويشكل نقطة تحول وتحديا امام من سيأتي من سينمائيين قد يقدمون على تلك المغامرة ثلاثية الأبعاد .
انه فيلم على درجة متقدمة من الأدارة الفنية المتكاملة ووحدة البناء المتماسك مابين الأبهار البصري وبين الدراما الفيلمية المتصاعدة .
ربما تكون هذه الأسباب والمؤهلات اكثر من كافية لتتويج افاتار بدلا منن جوائز الترضية التي منح اياها ولهذا ستكون مفارقة ان يمنح فيلم متواضع في كل شيء وقصته مستهلكة وهو فيلم خزانة الألم كل تلك الجوائز ...
لااحد يعلم بكل تأكيد لم كل ذلك التطبيل والترويج لفيلم خزانة الألم الى درجة ان تطلق عليه وسائل اعلام امريكية انه " بمثابة انتصارلمحور الخير" !!!!
ولا احد يعلم دوافع المحكمين الذين هيأوا الرأي العام مسبقا بمنح الفيلم جائزة ( بافتا) للأكاديمية البريطانية للفيلم ثم ليمنحوه كل تلك الجوائز ...
لكن ربما كانت معالجة فيلم افاتار في الأخير والتي انتهت بدحر جيوش المارينز وانتصار قبيلة (نافي ) البدائية واحتفاظها بأرضها وثرواتها وعقيدتها الروحية ، ربما كانت معالجة مرفوضة من وجهة نظار صناع القرار والبروباغاندا الحربية وهي التي اجهزت على ترشيح الفيلم من وجهة نظر سياسية ودعائية تمس هيبة القوات الأمريكية الضاربة التي لاتقهر ربما ، فكيف تقهرها كائنات ذات ذيول ؟ ربما كان احجام الفيلم عن القاء خطاب النصر من على ظهر احدى البوارج الحربية الأمريكية وتبادل الأنخاب ، ربما كان هو السبب ولكنها مهزلة ان صحت هذه الفرضية وتم بالفعل تجاوز كل مقومات هذا الفيلم الهائل وحصرها في تلك الزاوية الضيقة ...والا ...لايوجد أي سبب آخر منطقي ...

" الحب في زمن الكولير" بين الرواية والفيلم
جدل التاريخ والمكان والبحث في البناء الجمالي
د.طاهر علوان
مما لاشك فيه ان الصلة بين الرواية والفيلم كانت وماتزال ركنا مهما من اركان صناعة السينما في انحاء العالم وكانت الرواية على الدوام مصدرا مهما وأساسيا من مصادر السينما الروائية وتم تحويل المئات من روائع الروايات الى السينما بعد تعديلبها واعدادها سينمائيا .
وربما تساءلنا عن السر وراء هذه الصلة العميقة بين هذين الوسيطين التعبيريين : الرواية والفيلم ، والجواب بشكل عام هو التنوع والغنى السردي الذي تتمتع به الرواية وهو مطلب سينمائي رئيس ذلك ان هذا التنوع يتيح بالضرورة افقا مفتوحا من التحولات في الأزمنة والأماكن كما يتيح بالمقابل تنوعا في الشخصيات وفي بنائها واهدافها ، وعلى الجانب الآخر هنالك الأحداث التي تتنامى من خلالها الدراما وتبحر فيها الرواية في مدارات التاريخ وفي آفاق زمانية بعيدة .
هذه المعطيات وغيرها تؤشر دون شك لأهمية الرواية باعتبارها مصدرا فيلميا مهما واساسيا وفي الوقت نفسه تفتح افقا واسعا لأشكال وتجارب متنوعة في اعداد النصوص الروائية وتقديمها الى الشاشة.
ومما لاشك فيه ان هنالك خلاصات مهمة لابد من التوقف عندها في هذا الباب ومن ذلك السؤال الأزلي التقليدي القائل : هل كان الفيلم مطابقا للنص الروائي ؟ او الى اي حد كان كاتب السيناريو موفقا في نقل النص الروائي الى السينما ؟ هذا التساؤل المنطقي التقليدي ارتبط ارتباطا وثيقا بذاكرة القراء الذين الفوا الروايات وتفاعلوا معها واحبوها ولهذا لايخطر في بالهم ان يجري تشويه او اضعاف النص الروائي الذي عشقوه وتفاعلوا معه .
لكن جل المخرجين وكتاب السيناريو ذوي التجربة الطويلة في اعداد ونقل الروايات الى السينما لديهم رؤية اخرى مفادها ان الرواية الصالحة للسينما هي الرواية الأكثر قربا الى الحس ، الى ادراك الأفعال والأحداث واقترابها مما هو مرئي ومدرك ومسموع ، والنأي بعيدا عن تلك الروايات الباطنية التي يتحرك فيها تيار الوعي والأحاسيس الداخلية اذ ثم فرق شاسع بين رواية البحث عن الزمن المفقود لبروست وبين رواية العراب لماريو بوزو مثلا ، الأولى ارقت المخرج العالمي ايزنشتاين وعجز عن فعل شيء بصددها رغم شعبية الرواية وكونها نقطة تحول في مسار الرواية العالمية ، انها رواية العقل الباطن والتفكير الداخلي ، رواية تقدم اشكالا من التشويش الذهني ومن العسير بلوغ بنائها الدرامي بالشكل التقليدي بينما رواية العراب تعد نصا سينمائيا جاهزا وكذلك الحال مع رواية ذهب مع الريح واحدب نوتردام و عناقيد الغضب والشيخ والبحر و الطاحونة الحمراء و ممر الى الهند و كثير جدا غيرها .
ومؤخرا شغلت اوساط السينمائيين والنقاد وعشاق الرواية مسألة نقل رواية الكاتب الكولومبي الشهير كابريل كارسيا ماركيز الموسومة ( الحب في زمن الكوليرا ) ، هذه الرواية التي تعد واحدة من اهم روايات ماركيز والأكثر شعبية وواحده من اهم قصص الحب في نظر نقاد الأدب والقراء في ارجاء العالم حيث ترجمت الى اكثر من 35 لغة من بينها اللغة العربية بالطبع ، وقرأها عشرات الملايين من القراء .
ومن المؤكد ان ماتركته وتتركه الرواية في ذهن قارئها من انطباعات وافكار تدفعه الى مشاهدة الوجه الأخر للرواية على الشاشة ، ان تظهر الرواية وهي اكثر عمقا وجمالا على الشاشة وان يرى المشاهد شخصياته الأثيرة وهي حية وفاعلة امامه وبين يديه فهل كانت هذه الرواية في شكلها السينمائي خلاقة ومؤثرة كما كانت في شكلها الأدبي ؟
الرواية نقلت الى السينما على يد المخرج "مايك نويل" ،وهي تتحدث عن قصة حب طويلة تقع احداثها في منطقة الكاريبي في اجواء شائكة ومحتدمة ممثلة في وبائين كبيرين يلاحقان الشخصيات وهما الحرب الأهلية في كولومبيا في القرن قبل الماضي ووباء الكوليرا وكلا الآفتين اللتين مثلتا المناخ الذي نشأ وترعرع فيه ذلك الحب الغريب بين بطلي الرواية فلورنتينو و فيرمينا مذ كانا مراهقين ، لعل هذه الأجواء الكابوسية كافية لتعطيل احساس الأنسان بالحياة لكن ايقاعا رومانسيا انسانيا حالما كان يفعل فعله في فكر وضمير الشخصيات ويمضي ذلك الحب محركا اجواء الرواية وبنائها السردي مابين نزعة للتشبث بالحياة فيما غول الموت يتواجد في قرارة وعي ولاوعي الشخصيات لكنهما يمضيان في ذلك العالم القاتم . المهم ان عقبات شتى تقف في وجه تلك العلاقة منها رفض والد فيرمينا لتك العلاقة ورفض زواج ابنته من فلورنتينو ممايدفع اسرة فرمينا الى السفر بعيدا لقطع دابر تلك العلاقة بقرار من الأب الذي سيزوج ابنته الى طبيب شاب تخرج من باريس وفيه سيماء التحضر بكل ابعادها فيما يواصل فلورنتينو ذلك الحب من خلال تدفق البرقيات التي كان يرسلها لحبيبته لكنها كانت ترى في ذلك الحب سرابا طويلا حتى تيأس منه وتقبل الزواج من ذلك الطبيب والأنجاب منه ..هذا الحب بالنسبة لفلورنتينو يبقى حيا وقويا في داخله لمايقرب من نصف قرن ..لايجد خلالها في اية امرأة ممن عرفهن ايا من صفات حبيبته ليعود اليها وقد اكتهلا وفي يوم مأتم وفاة الزوج الطبيب معلنا انه لم يتوقف عن حبها يوما رغم كل تلك السنين الطوال .
البناء السردي والشخصيات الباحثة عن الذات
مما لاشك فيه ان الرواية تتميز بتنوع سردي عميق بل يمكن القول ان بناءها السردي هو احد ابطال الرواية ومحركها الأساس بالرغم من ان الوسيلة التقليدية التي اعتمدها ماركيز هي وسيلة التداعي للماضي (فلاش باك ) اذ يعود بالشخصيات القهقرى بامتداد يصل الى نصف قرن ليتتبع ماهي عليه لكنه خلال ذلك يجد في الزمن

فالسرد ينمو ويتطور بتطور الأحساس بالزمن في داخل الرواية فبالرغم من ان الماضي هو المتحكم في مسار الأحداث وفعل الشخصيات الا ان ذلك وحده لايغطي الا جزءا من التنوع السردي الذي يواكب تحولات الشخصيات فالزمن عند فلورنتينو مرتبط بأمرين هما : انه لايشعر ان ذاك الزمن الممتد الى نصف قرن والذي امتص منه رحيق شبابه كان سببا في تعطيل حواسه وهي تكتشف ذلك الحب الأول ولهذا كان في كل ماعاشه يواصل مهمته في انتظار يوم تحقق اللقاء مع فيرمينا اما الأمر الآخر الملفت للنظر فهو ان ذلك الزمن ليس زمنا متحجرا ميتا بل انه زمن حي اضفى عليه البناء السردي للرواية حياة اخرى تمثلت في ماشهده العصر من تحولات اذ كان فلورنتينو عاملا في محطة ارسال البرقيات بنظام مورس القديم الذي يعتمد الأشارات النقطية اضافة الى استخدام الحمام الزاجل حتى في تواصله مع صديقاته اللائي لم يحب يوما ايا منهن ولم يكن غير محطات عابرة في حياته .
واما البناء السردي من جهة احساس فيرمينا بهذا الزمن الطويل فقد كان اقترابها اكثر مما هو واقعي قد دفع بها الى قراءة اخرى للزمن فهي وجدت بعد بضع سنوات انها كمن ينتظر او يعيش على سراب ومجهول والحياة الجدية التي صنعها لها ذلك الطبيب الشاب كانت كفيلة ان توجد لها رؤية اخرى لما حولها ولهذا كان الماضي عندها ظلالا وبقايا من ازمنة المراهقة وكانت تمضي قدما في تأسيس احاسيس ومواقف اخرى اخرجتها من اسر تلك الدائرة القفلة .
الرواية والفيلم ..هاجس المقارنة واشكالية المعالجة الدرامية
وبعد ان مررنا بشكل سريع بأبرز محطات هذه الرواية وبالأرضية القوية لها ممثلة في تنوعها السردي ومتانة بناء شخصياتها لابد لنا من التوقف عند المحور الأهم فيها وهو طرحها السؤال المتجدد عن الشكلين الروائي وقرينه الشكل السينمائي .وفيما يخص ماركيز ورواياته فلا يختلف اثنان ان تلك الروايات تمثل تحديا كبيرا للمخرجين السينمائيين وكتاب السيناريو بسبب كونها ملاحم روائية يتنقل فيها ماركيز بين الأزمنة والتواريخ بمهارة عجيبة ويحلق مع شخصياته في اجواء تتداخل فيها الأشكال والرموز والميثولوجيا الكولومبية بالعادات والتقاليد والخرافات والنزعات الذاتية المتفجرة مابين الحب والكراهية والصراعات الكامنة والظاهرة وكأننا وتلك البلاد من خلال اعمال ماركيز نعيش في كوكب آخر . ولهذا ظل ماركيز الحائز على جائزة نوبل سنة 1982 حريصا على رواياته متمنعا من تحويلها الى افلام سينمائية وخاصة روايته ذائعة الصيت هذه التي تعد واحدة من اجمل روايات الحب على صعيد الأدب العالمي وكانت قد صدرت سنة 1985 ولم يوافق ماركيز على بيعها للسينما الا قبل عامين بمبلغ ثلاثة ملايين دولار ..وياليته مافعل ..فالفيلم المأخوذ عن الرواية محبط كثيرا في نظر الكثير من النقاد ومن قرأ الرواية وتمتع ببنائها السردي ونزعات شخصياتها سيجد نفسه من حيث لايشعر منقادا الى نوع ما من المقارنة مابين ماقرأ وما يشاهد على الشاشة .
فبينما كانت الرواية ملحمة انسانية عميقة لمايقرب من قرن كامل من الحياة في الكاريبي وكانت محملة بخرافات ذلك العصر وبالمحن التي تفتك بالشخصيات فيما الحب يشكل وسط قتامة الأحداث مسارا مشعا مشرقا تنتظم من حوله نزعات الأنانية والأستغراق في المجهول الأنساني ، كل هذا وغيره تكثف في عالم روائي مليء بالألوان والملامح والروائح واللمسات السحرية اما في الفيلم فقد كنا ازاء محاولة مستميتة لكنها غير موفقة تماما للحفاظ على تماسك هذا كله ، محاولة الوفاء للرواية بما هي عليه دون احداث تغييرات كبرى على حياة الشخصيات لكن هذا الوفاء للرواية كان يقابله دوما سؤال عن متانة البناء الدرامي وشكل الدراما وهو ما حاول المخرج ليونيل ان يتجاوزه من خلال مجموعة من التحوطات من اهمها التصوير في البيئة الحقيقية للرواية وتقديم صورة العصر الذي عاشت فيه الشخصيات الا ان ذلك كله لم يكن كافيا بالتأكيد .
كثافة الأحداث والخلاصات التعبيرية
لعل من الأمور الملفتة للنظر هي لجوء كاتب السيناريو رونالد هاروود وتاليا المخرج الى تلخيص احداث تلك الرواية المتشعبة العصية على السينما ، والملاحظ ان ذلك التلخيص لم تنتج عنه غير نسخة باهتة ومتواضعة من رواية ماركيز ، اذ بدت الأحداث والشخصيات وكأنها ترى من وجهة نظر تحاول الأقتراب من عوالمها فلا تستطيع ولاتملك عندها الا المحاولات التي تصيب حينا وتخيب احيانا .
فمثلا لم يكن فلورنتينو في الرواية شابا ضائعا طائشا بل وربما منحرفا كما هو في الفيلم ، كان محبا وانسانا واعيا ولهذا نجح في مجال العمل والعمل التجاري ونجح في مساعدةعمه في النقل النهري وآلت اليه شركة ذلك العم وصار من الأثرياء في خريف العمر ، بينما ظهر في الفيلم في صورة مشوهة تماما عما هي الحال في الرواية والتشويه ناجم عن عدم التمكن في اعادة صياغة الشخصيات سينمائيا ، فالممثل الأسباني خافيير بارديم الذي قام بدور فلورنتينو حاول انقاذ مايمكن انقاذه كلما اوتي الى ذلك من سبيل لكنه لم يوفق في كل الحالات ومن ذلك ان البناء الشعري العميق الذي وسم شخصية فلورنتينو الذي لم يكن متحققا على الشاشة ، كانت الشخصية في الرواية تعيش في قلب عالم محتقن وكانت احاسيس فلورنتينو التي تقترب من الخرافة تمثل نزعة عميقة لخلاص الذات من خلال الأخلاص لذلك الحب . واذا كان هنالك من الخلاصات التعبيرية الجديرة بالأشارة فهي الأشارة الى فيرمينا في المقابل والتي ادت دورها الممثلة الأيطالية جيوفانا ميزوجورجينو ولم تكن الا شاهدا خارجيا وربما هامشيا على ماجرى ويجري ، كانت بعيدة تماما على مستوى التعبير الفيلمي عن عمق الشخصية ونزعاتها وتحولاتها ونزقها ، وبعد ان رفضت حبها القديم اذا بها تعيش على هامش المغامرة متحدية ابناءها باتجاه خوضها لتلك المغامرة من جديد بعد موت زوجها فيما هي في حوالي السبعين من عمرها لتعود بطريقة آلية ضعيفة التأثير في البناء الروائي ، لتعود الى عالم فلورنتينو وقد صار ثريا وهو يحملها الى قاربه الذي يجوب مياه الكاريبي رافعا راية صفراء دلالة على ان القارب يحمل مصابين بالكوليرا فلا يجب ايقافه فيما يتمتع العاشقان بوقتهما .
جماليات الشكل السينمائي والبناء المكاني
لعل من الحلول التي لجأ اليها المخرج ساعيا الى الأحتفاظ بذلك البريق الأخاذ الذي تمثله البيئة السحرية هو تأسيسه شكلا سينمائيا يمزج مابين ملامح العصر الذي عاشته الشخصيات وبين التصاعد الزماني المضطرد الذي يعد ميزة بالغة الأهمية في الرواية ، فهذا المزيج ظل هو العامل الأهم في البنية الروائية وتاليا كان هنالك سعي لتأسيس بيئة موازية حفاظا على صدقية وواقعية الشكل الروائي .
هذه المعطيات وربما غيرها كانت كافية بالنسبة للمخرج لكي يذهب بعيدا الى تلك القرى الكولومبية النائية لكي يدفع بشخصياته الى الواجهة ، ومن هنا توفرت للمخرج المرونة الكافية لأنتقاء مايشاء من اماكن تعوم في فضائها شخصياته ، لكن مايمكن تلمسه انها واقعيا اية اماكن واي زمان ، بمعنى ان لاخصوصية كبيرة تذكر للبناء المكاني في اطار البيئة الكولومبية عما سواها ، هذا اذا استثنينا بضعة مشاهد خارجية كمشهد نزوح عائلة فيرمينا بعيدا عن مسكنها ومشهد احد الأنهر الكولومبية حيث يطفو قارب فلورنتينو و فيرمينا معا في المشاهد الأخيرة من الفيلم وماعدا ذلك فالمسكن هو المسكن لاتميز يذكر فيه ، تلك القوقعة – بحسب ادوارد هال- الذي تعيش في قراراته هذه الشخصية او تلك ، سواء فيرمينا او فلورنتينو او احدى النساء الأخريات من اللائي عرفهن فلورنتينو ، هذه الأشكالية هي نقطة ضعف اضافية في البناء الفيلمي بسبب ان المكان والبيئة لم تلعبا دورا كبيرا في معالجة المخرج وقبله كاتب السيناريو ، لأن المكان في اصل الرواية يلعب دورا فعالا وبالغ الأهمية في البناء الفيلمي وهي ميزة من اهم ميزات ادب ماركيز ، اذ يتلمس قارئ روايات ماركيز ومنها بالطبع هذه الرواية ، ذلك التنوع المكاني الأخاذ والوصف الدقيق للتفاصيل ، لكل التفاصيل الضرورية التي تعمق صلة الشخصية بالمكان حتى يغدوان وحدة واحدة متكاملة من جهة كون المكان في هذه الحالة انعكاسا واعيا لأحاسيس الشخصيات وافكارها وليس ظلا تابعا للشخصيات فحسب . ولعل ميزة ماركيز الأخرى انه يجمل المكان ويمنحه ابعادا اعمق وأكثر تأثيرا فهو يلون المكان ويجسمه اثناء الوصف ويمنحه شكلا وبناء جماليا مؤثرا فضلا عن اطلاقه شتى الروائح المنبعثة من المكان التي يحرص عليها ايضا كل الحرص .
اما في الفيلم فأن التجريد كان ميزة غالبة بمعنى ان الفيلم اخرج شخصياته من بيئتها الى حد كبير ليضعها في بيئة فيلمية موازية وبذلك اسس مكانا بالرغم من كونه جغرافيا هو نفسه المكان الكولومبي الأصل الا ان طريقة عرضه لم تكن لتوفر كثير من عناصر التعبير والخلاصات الجمالية التي يمكن التوقف عندها على اي صعيد .
ولعل من الأمور التي من المهم التوقف عندها هي السؤال عن مدى ماتوفر للشخصيات من مناخ تعبيري مكاني اتاح لها ان تنمو طبيعيا وتتفاعل مع المكان وتعبر عن نفسها ؟ هذا التساؤل يقود واقعيا الى ان الشخصيات بحاجة الى تأثيث مكانها وبصمه ببصمتها الخاصة ، وعلى هذا فأن البحث في ثنايا ذلك المكان الكولومبي في الفيلم عن تلك الملامح والخصائص لايوفر كثيرا جدا من المعطيات المطلوبة ، او المتوقعة وهو عنصر اضافي من العناصر التي لم تجري معالجتها بعناية كافية .
ازمنة التحولات الكبرى
لعل من المهم القول فيما يتعلق بالناء السردي للرواية والفيلم على السواء انه لم يكن عبثا ان يقدم ماركيز على عرض حياة شخصياته على مدار مايزيد على نصف قرن من الزمان تم خلالها تنويع البناء السردي دون ان يكون لكل ذلك من دلالة ومعنى وغايات لعل من ابرزها ان هنالك تحولات كبرى سواء في مسار التاريخ والزمن او تاريخ الشخصيات وهي مسألة برع فيها ماركيز وهو في هذه الرواية قدم تحولين هامين في التاريخ الكولومبي في القرن قبل الماضي وهما : الأول هو الحرب الأهلية والثاني هو الكوليرا وفي ثنايا هذين التحولين عاشت الشخصيات وهي تكابد من اجل الأستمرار وفي ثنايا هذين التحولين ايضا كان حب فلورنتينو لفرمينا قد ترعرع وتعمق وتجذر ، فالحرب الأهلية كانت سببا في تمزق اجتماعي ودمار قيمي ورعب يومي يجتاح الشخصيات لكنها كانت في الفليم مشهدا مجردا ظهرت فيه امرأة مرعوبة من اصوات الأنفجارات تبحث عن ملاذ وهي في حالة من الهستيريا لكن ام فلورنتينو تدفع بتلك المرأة الى احضان ابنها من اجل ان تخلصه من عقد الماضي وحبه لفرمينا ..هكذا في مشهد واحد سبقته لقطات لأناس يركضون تصحبهم اصوات انفجارات ، وبهذا تم تجريد هذا التحول الكبير من تأثيراته النفسية والأجتماعية والأنسانية .
واما المؤثر الآخر المهم فهو اجتياح الكوليرا ، وهو مؤثر تم ابتساره الى بضعة مشاهد تمثل اولها في المستشفى ومشهد آخر لجثث مرمية في الطرقات وبين هذا وذاك كان فلورنتينو مشغولا بمغامراته العاطفية الطائشة وكونه مجرد رجل يبحث عن اللهو في وسط تراجيديا هائلة ومخيفة كافية تماما لتعطيل كثير جدا مما يسعى اليه الأنسان العادي في حياته اليومية .
لعل هذه الخلاصات عن التحولات الكبرى هي عناصر اساسية في الرواية يجب التوقف عندها مليا لأدراك حيوية البناء السردي ومدياته التي اطرت الشخصيات ولكنها دفعت باتجاه معالجة مغايرة لجأ اليها المخرج وجعل منها مجرد هامش مكمل لما يعيشه فلورنتينو من نزعات تبدو في الفيلم غير معمقة ولارصينة بما فيه الكفاية بينما هي في الرواية محاور اساية في البناء السردي وقوة محركة فاعلة للشخصيات عندما تتجاور ثلاثة عوامل اساسية هي : الحب من جهة والحرب والكوليرا من جهة اخرى فالحياة والموت يتصارعان بعناد في هذه الرواية ، وماالحب الا شاهد فاعل على ذلك الصراع بل انه يغدو احيانا بديلا لكل تلك الأزمات الطاحنة التي تفتك بالشخصيات .
لابد في الختام ان نعلم ان المخرج مارك نيويل هو في الستينيات من عمره وهو مخرج هذه الأفلام : فيلم هاري بوتر -2005 و فيلم ابتسامة الموناليزا – 2003 و فيلم دوني برالكو – 1997 وفيلم اربعة اعراس وجنازة – 1994 وفيلم في الغرب – 1993 وفيلم الأب الطيب 1987 وفيلم الرقص مع الغرباء – 1985 اما اول افلامه فحمل عنوان : الرجل ذو القناع الحديدي 1976
واما كاتب السيناريو فهو رونالد هاورد وهو نفسه كاتب سيناريو فيلم عازف البيانو – الحائز على جائزة الأوسكار.
.......................................
يعرض في اوربا الآن
LE DERNIER VOL
فيلم "الرحلة الأخيرة " للمخرج كريم دريدي:
بقايا استعمارية والصحراء ملاذ اخير
طاهر علوان
ليس بينك وبين الصحراء المترامية غير الفضاء الشاسع والأفق المفتوح ، ولتلك الصحراء ازمنتها وتحولاتها وهيبتها الخاصة ، وحيث تلتحم الطبيعة مع بعضها لتعويض الفقدان ، فقدان الماء والنبات ، تلتحم الطبيعة في ذلك التوحد بين الأفق الصحراوي وبين السماء الصافية ، ومابين هذا وذاك كان للصحراء سكانها ومريدوها الذين يقرأون صمتها وصخبها وعواصفها ولهيبها الحارق ..مر بها الرحالة والمستشرقون ومر بها المستعمرون ومر بها المهربون واللصوص وكان لكل منهم مع الصحراء غايته .
هي فلسفة المكان الذي تتراجع فيه اطروحات عالم المكان الأشهر ادوارد هال ، تتراجع تماما وتغيب مستويات المكان الثلاثة : الفضاء – المكان – الموضع ، ذلك التدرج مما هو كلي الى ماهو جزئي ومن الأكبر الى الأصغر ، هنا يتعوم المكان وتتخلق علاقات اخرى اذ يحوي الرحم الصحراوي ضمنا كل ذلك التقسيم صعودا
الصحراء هي الفضاء الكلي الذي تعوم فيه شخصيات المخرج الفرنسي من اصل تونسي " كريم ديدي" في فيلمه الأحدث المعروض في الصالات الأوربية ابتداءا من شهر كانون الثاني يناير 2010.
وكان كريم ديدي المولود في العام 1961 قد بدأ مشواره السينمائي بأخراج فيلمه القصير الأول عام 1978 وفيلمه الطويل الأول " بيغال" عام 1994 واختير فيلمه وداعا وداعا في تظاهرة " نظرة ما" لمهرجان عام 1995.وفيلمه "الرحلة الأخيرة" يأتي بعد انقطاع دام خمس سنوات اذ كان آخر افلامه فيلم "صخب" عام 2003
مختصر القصة
تقع الأحداث في ارض صحراوية شاسعة قرب الحدود الجزائرية مع موريتانيا ومالي والنيجر من جهة ، والمغرب من جهة اخرى ، حيث قبا ئل الطوارق ، الأستعمار الفرنسي يخيم على المنطقة بعقليته الكولونيالية الصارمة ، ويرسل ثلة من الضباط للسيطرة على بعض تلك القبائل يقودهم الكابتن لويس(الممثل فريدريك ايبود) وفي المقابل هنالك مساعده الضابط انطوان (الممثل غوام كانيت ) الذي يرتبط بعلاقة غرامية مع فتاة من الطوارق بينما شقيق تلك الفتاة وقبيلتها متهمان بقتل ضابط فرنسي ، الا ان انطوان يتمتع بعلاقات طيبة ميحظى باحترام الطوارق ، خلال ذلك تصل ماري ( الممثلة ماريون غوتيلار) الى تلك الصحراء القاحلة بطائرتها الشراعية باحثة عن حبيبها الطيار الذي اختفى بعد سقوط طائرته ، وعلى الأرجح انها سقطت في تلك الصحراء ، تحاول تلك الفتاة الفاتنة اقناع الكابتن لويس ان يساعدها في العثور على حطام الطائرة ولكن من دون جدوى ولهذا يتركها لمصيرها ، ولأن ذلك الضابط المتعجرف مصمم على الأيقاع بالطوارق والأنتقام منهم تجد الفتاة نفسها مجبرة على الأنضمام الى قافلة الديش المسنود ببعض من الطوارق في تلك الرحلة الشاقة في اعماق الصحراء المترامية ليتغير مسار الأحداث بعدها بانظمامها الى الضابط انطوان والهرب من سطوة القائد الكابتن لويس ولكن الى اين ؟ الى المجهول ، الى متاهة صحراوية لاحدود لها تنتهي بشبه موت انطوان بسبب مرضه ومعاناة ماري وهي تصارع ذلك الموت والضياع في وسط الصحراء ايما وليال .

البنية السردية والحكائية
مما يلفت النظر في تأسيس البنية السردية لهذا الفيلم هو النجاح في اختيار عينة صغيرة مكونة من بضعة جنود وبضعة مرتزقة من الطوارق ولتجري احداث تعكس وقائع عدة من العصر الكولونيالي الفرنسي واستعمار الشمال الأفريقي خاصة .
انها منظومة سردية اعتمدت على بنية حكائية جزئية ثم سرعان ماتطورت الى منظومة سردية كلية وشاملة شكلن بنية الفيلم الحكائية .وتمثلت تلك البنية الحكائية الجزئية في العدد المحدود من الشخصيات والأحداث التي بالأمكان ان تحيل الى مستويات سردية اعمق يمكن اجمالها فيما يأتي :
المستوى السردي الأول / يرتكز على محور الكابتن وجنوده ، انه مستوى يؤسس لأسباب وجود كل اولئك ويؤطر دوافعهم وحاجاتهم على اساس مايقرره الكابتن فهو يشكل بوتقة السرد ومحرك الأحداث .
المستوى السردي الثاني / ومحوره هو الضابط " انطوان" والذي تتعدد شبكة حركته في البناء السردي لبتداءا من صلته بالفتاة من احدى قبائل الطوارق ، صلته بالقبائل ، اتقانه لغتهم ، احترام عقيدتهم ومجتمعهم ، الميل الى الحوار والسلم وعدم المجابهة والحرب معهم .
المستوى السردي الثالث / وهو مستوى تشكل" ماري" الفتاة الباحثة عن صديقها محورا له ، وهي جزء من تأطير سردي جانبي الا انه سرعان مايتحول متجذرا في المستويين الأول والثاني ، الأول من خلال محاولة الكابتن استمالتها دون جدوى والثاني من خلال اعجابها بأنطوان وخوضها المغامرة معه في عمق الصحراء .
التحولات السردية
تتمثل التحولات السردية في تدفق الأحاداث وبث المعلومات ، فهنالك كثافة في التحولات السردية قوامها خطوط عريضة للمعلومات ممثلة في خط الفتاة التي يكاد المخرج وكاتب السيناريو ان يجعلانها في بحثها عن المفقود هي محور التحولات السردية ولكن مسار الأحداث في الفيلم تجعل للتحولات السردية امتدادا آخر يتمثل في التضاد الفكري والمعنوي مابين الكابتن وانطوان ، ولأن انطوان عنصر متحرك صانع لتلك التحولات فقد كانت التفاتة ذكية من لدن كاتب السيناريو الى ادماجها مع صانع التحولات السردية : انطوان" من خلال التقائهما في هدف واحد هو خوض المغامرة في غمار الصحراء .
وعلى هذا يمكن التوصل الى مقتربات التحولات السردية في الفيلم من خلال مايأتي :
- امتداد علاقات انطوان بالطوارق الى مستوى يجعل وجوده في الجيش الفرنسي الغازي وجودا مربكا يجر ارادة الكابتن جرا الى الوراء .
- بسبب النزعة العدوانية للكابتن وغيرته الشخصية من " انطوان " فأنه يشكل عنصر اعاقة في التحولات السردية كما يقول البنيويون من خلال اتخاذ قرارات لاترضي انطوان وتاليا تتسبب في صراع حاد بين الطرفين ينتهي باعتقال انطوان .
- تراجع الأثر السردي والدرامي الذي تشكله الفتاة ، اذ لم تتمكن من ان تكون ( فاعلا) و(ندا) دراميا قويا ومؤثرا في التحولات السردية الا في جزئية تبدو مربكة ومقلقة ، الا وهي قرارها الأنضمام الى انطوان في الهرب والتخلص من سطوة الكابتن وغطرسته ، اذ لاتحيل الأحداث لا اليها ولا الى انطوان على ان ايا منهما على انفراد قد صنع ذلك التحول في الأزمة ، الا انهما معا كانا صانعين لذلك التحول .
الصراع الشرس : تصعيد الدراما الفيلمية
لاشكان الصراع المحتدم مابين انطوان والكابتن قد قاد الى مساحة واسعة من التحولات الدرامية .فأنطوان الرافض لفكرة الحرب ومواجهة قبائل الطوارق والجوء الى لغة العقل والحوار هو الذي سيكون سبب في المجابهة الدرامية والصراع الشرس مابين الطرفين والذي سيفضي الى عراك بين الطرفين ينتهي بأدماء وجه الكابتن واعتقال انطوان ولاحقا هربه الى عرض الصحراء بمساعدة من الطوارق .
الدراما الواقعية هنا هي دراما نوازع الهيمنة والغطرسة ونزعة السيطرة التي تستحوذ على الكابتن المتعصب القادم الى تلك الأصقاع بعقلية امبراطورية لأركاع واخضاع الخارجين على القانون كما يسميهم هو واعادتهم الى بيت الطاعة .
لكنه يجر معه مجموعته الى متاهة في قراره التصدي للطوارق ومحاربتهم ، ففي تلك الصحراء الشاسعة التي هي بيت الطوارق وفضاءهم يريد الكابتن ان يفرض عليهم الأمر الواقع وهو امر من الصعب بلوغه الا ان تزمت الكابتن وتفرده بالقرار تقود الى الأنقسام وهرب يعض الطوارق المساندين وتمرد انطوان وتصدع سلطة الكابتن وقواته .
ولعل تفصيلات جانبية اخرى قد عززت تلك الدراما من خلال تحول الصراع مابين الكابتن وانطوان الى استقطاب شرس لايقبل الهوادة افضى الى هرب انطوان بعيدا عن الكابتن ونزعته العدوانية وحروبه المقبلة .
ولقد اجاد كاتب السيناريو في رسم التحول في البناء الدرامي من خلال تتبع افعال الشخصيات وحتى الثانوية منها اذ صنع نسيجا مكتملا دراميا فيه قليل من الشخصيات الفاعلة ولكنها فعلها على ضآلة ومحدودية ادوارها هو فعل كبير ، أي انها ليست هامشية ولهذا لايجد المرء نفسه الا متعاطفا مع تلك الشخصيات وخاصة انطوان والطوارق وماري الباحثة عن حبيبها في الصحراء.

.
التصوير والموسيقى
لابد لي من التوقف بكثير من الأعجاب بجهد فريق التصوير وخاصة مدير التصوير ( انطوان مونو) فلقد تجلى واضحا ادراكه ووعيه الكامل لخصوصية المكان وبالرغم من طابع التكرار ورتابة المكان الصحراوي بطبيعته الجغرافية اذ لاشيء سوى الرمال ، الا ان تلك البيئة الرتيبة تحولت الى فضاء ابداعي مؤثر بالنسبة لمدير التصوير اذ كسر تلك الرتابة وتجلت الصحراء في الكثير من المشاهد ومن خلال انتقاء الزوايا بعناية وانتقاء وقت التصوير ، تجلت في شكل مختلف محمل بجماليات المكان وشيفراته الدالة ، فغاليا ماكان الكابتن ومن وراءه افق مقفل بينما كانت رحلة انطوان مع ماري محملة بالتنوع الجغرافي مابين تلال ووديان ومساحات مفتوحة ، تنويع جمالي خلاق تنقل فيه مدير التصوير بين ازمنة واماكن وجد فيها كاتب السيناريو قبل ذلك افقا محملا بكثير من عناصر التعبير والتأثير .
في المقابل وظف الثلاثي جبران الموسيقى الشرقية بطريقة مؤثرة هي الأخرى فقد اقتصدا تماما في استخدام الموسيقى ولاتشعر بضجيجها ولا بفقر الآلات الشرقية في ان تستخدم في الموسيقى التصويرية اذ هي بحاجة الى وعي مختلف واشتقاقات موسيقية متقنة تخرج عن رتابة التخت الشرقي والناي الذي يصرخ والطبلة المدوية ، نعم استخدم الناي والدف والعود ولكن في اقل قدر ممكن وبما يضفي على المشاهد عمقا وحيوية
وجمالية والا بدت شاذة ومبالغ فيها فيما لو زادت عن تلك الحدود
....
يثبت دريدي مرة اخرى انه مخرج متميز في صنع فيلم متميز سواء بأداء الممثلين والمعالجة الفيلمية وبناء الأحداث وصنع الدراما .
بطاقة الفيلم
السيناريو / كريم دريدي و باسكال ارنولد
عن كتاب الرحلة الأخيرة للكاتبة سيلفيان ايستيبال
التصوير / انطوان مونو
المونتاج / ليز بيليو
الموسيقى/ الثلاثي جبران
انتاج / شركة جومونت ومساهمين آخرين
الطول / 86 دقيقة
البلد/ فرنسا
عن المخرج المتميز كريم دريدي
ولد كريم دريدي في تونس. عام 1961 بتونس العاصمة من أب تونسي وام فرنسية ومنذ سن الثانية عشرة بدأ في تصوير أفلام تدخل في اطار الهواية. وبداية من عام 1982 أخرج وأنتج أفلامه القصيرة الاولى. ونال فيلمه "زوري الملاكمة" جائزة بمهرجان جرونوبل السينمائي في فرنسا.
أخرج فيلمه القصير الأول "في الكيس" عام 1987. وأخرج فيلمه الروائي الطويل الأول "بيغال" عام 1994. تم اختيار فيلمه الروائي الثاني "وداعاً، وداعاً" لمهرجان كان السينمائي ثم قدم فيلمه (خمسة) سيناريو وانتاج وإخراج : 2008ا ثم فيلم( الرحلة الأخيرة (سيناريو و إخراج – 2009
Time is measured from nothing but an imaginary CLOCK
في الصورة ..باتجاه الأبعاد
...تولد الصورة من رحم الأشياء ، من تلافيف الزمان والمكان لكنها الصورة الأم صورة التكوين وملاذ الكلمة حيث تتحد شظايا الصورة بشيفرة الكلمة لتصنع كينونة جديدة ، كينونة اخرى تليق بهذا المقدس العجيب المقدس الكامن في ابجدية الصورة وفي مكونها الجيني انسالها التي تتخلق بين ايدي اولئك المكتوين بالأبداع
Text Widget
A coverage for the International festival for the idependent film (Bruxelles )
http://www.cinearabe.net/Article.aspx?ArticleID=1918&SectionID=1&SectionName=الصفحة%20الرئيسية
http://www.cinematechhaddad.com/Cinematech/WrightsInCinema/WrightInCinema_TaherElwan.HTM
http://www.tunisalwasat.com/wesima_articles/index-20070706-6651.html
شكرا لكم على التهنئة لمناسبة تكريمي بميدالية المدينة الذهبية من عمدة مدينة بروكسل ..خاصة الى :هشام الصباحي - الفنان التشكيلي العراقي حسن حداد - الناقد السينمائي البحريني حسن حداد - ليلى السيد - كاترين مونتوندو - صفاء ذياب - مريام فيرنديت - حسين عباس - اياد الزاملي - شاكر حامد - حسن بلاسم - عدنان المبارك -د.اكرم الكسار - د.خليل الزبيدي - شيركو -كرم نعمة-قناة الشرقية - جريدة الصباح - لطفية الدليمي - فؤاد هادي - د.سامي علي - جنان شمالي -رانيا يوسف - رضوان دويري -اشرف بيومي - رانوبون كابيتاي - ايميلي بالمر -ميك فوندربروكن - فريدي بوزو - ارين برديتشي- د.عمار العرادي - دينيس فيندفوكل - هانا فرانوفا - جوانا تاكمنتزس
..........................................................................
#طاهر علوان في حوار على القناة الأولى في التلفزيون البلجيكي ..اذهب الى الرابط لطفا
http://www.een.be/televisie1_master/programmas/e_kopp_r2006_a027_item1/index.shtml
موقع مهرجان بغداد السينمائي وجمعية سينمائيون عراقيون بلا حدود
http://cinbord.blogspot.com/
السلام عليكم ..welcome ... to my cinema blog...........TAHER ALWAN
تكريم الدكتور طاهر علوان بميدالية المدينة الذهبية من قبل عمدة مدينة بروكسل
بروكسل - (وكالات ): منح عمدة مدينة بروكسل (فريدي ثيلمانس ) ، الدكتور طاهر علوان ميدالية المدينة تقديرا لعموم منجزه السينمائي والثقافي في حفل جرت وقائعه في مبنى المؤتمرات في العاصمة البلجيكية بين نخبة من العاملين في حقل السينما نقادا ومخرجين واكاديميين من عدد من بلدان العالم من ذوي التميز المشهود .
واختير طاهرعلوان اختير مؤخرا عضوا في لجنة التحكيم الدولية لمهرجان السينما المستقلة في بلجيكا.
وتحدث في الحفل روبير مالنيكرو مدير مهرجان السينما المستقلة منوها بجهود طاهر علوان ومنجزه ومواصلته مشروعه السينمائي فيما حيا رئيس المهرجان مارسيل كراوس من خلال الدكتور طاهر عموم السينمائين ، ورحب عمدة المدينة بالتكريم متمنيا للسينمائيين التقدم .
وتحدث طاهر علوان شاكرا عمدة المدينة وادارة مهرجان السينما المستقلة على مبادرتها وتكريمها الذي عده فخرا كبيرا له وللسينما والثقافة واعترافا بتجدد الحياة الثقافية والسينمائية .
وامضى علوان الذي يحترف الكتابة القصصية والنقد السينمائي مايقرب من ربع قرن من العمل سواء في التدريس الجامعي او في النشر وهو مؤسس مهرجان بغداد السينمائي الذي اقيم في دورته الأولى عام 2005 وتقام دورته الثانية في اواخر شهر كانون الأول ديسمبر ، وهو ومؤسس ورئيس تحرير مجلة عالم الفيلم وهو ناقد سينمائي وعضو في لجان التحكيم في عدد من المهرجانات
......................................
المقالات في موقع سينماتيك
http://www.cinematechhaddad.com/
.......................................................................
......................................
دعوة للجميع
ورشة سينما ..مجلة سينمائية مستقلة متخصصة لجميع المستويات : محترفين وهواة تقدم محاضرات ومقالات ودراسات واستطلاعات وكتب سينمائية وورش عمل ونصوص سيناريو واستشارات وهي ورشة مفتوحة للجميع ..مقالات ودراسات ومحاضرات في العديد من قضايا السينما في العالم العربي والعالم ..وهنالك المزيد ....دعوة للمشاركة ..ودعوة لزيارة الورشة على الموقع :http://cineworkinst.eu
اصدقاء جدد لورشة سينما...اهلا
عالم من الشعر والموسيقى ..قراءات للعالم والناس والأماكن والذكريات ..تتجدد في مدونتي ..صعود القمر ..
enjoy it
http://themoonrising.blogspot.com/
............................................................
مدونتي بالأنجليزية : شعر باللغة الأنجليزية وموسيقى وباستمرار هنالك نصوص جديدة http:taheralwan.blogspot.com/
..........................................................
to contact me
dimensions_man@yahoo.com
.............................................
تصميم مدونة "ابعاد" : احمد طاهر
Designed by : Ahmed Taher
دفاتر
دفاتر
لغة الأدب ولغة الفيلم المعاصر
طاهر علوان
"العلامة تؤسس بذاتها المادة النوعية للسينما"
جاكوبسن
I
تتكاثر الشاشات من حولنا ، والأصوات تملأ الأماكن ، ونحن وسط التدفق الجبار لوسائل الاتصال السمعية البصرية نشهد كيف تتوالد في هذه المدارات الجمالية المشرقة ابداعات الإنسان التي لا تعرف إلا التجدد والتألق، فالشاشات تكتظ بالجديد، وآلات التصوير ما زالت تدور منذ مائة عام ونيف، والحصيلة مئات الآلاف من الأمتار من أشرطة الصورة ومثلها أشرطة الصوت وما زالت المكائن تدور والأصابع تضغط على مفاتيح آلات التصوير لتولّد المزيد والمزيد من الصور.
ولم تكن نشأة السينما وظهور انتاجها الفعلي في العام 1895 على يد الاخوة لومير في فرنسا، إلا تأكيداً لمقولة ان الأدب يتمظهر عبر الصورة هذه المرة ويقدّم دلالاته. فالرواية والقصة والشعر وبموازاتهم جميعاً ـ المسرح، قد ألهموا البشرية ابداعاً لا ينقطع من خلال صدق التعبير عن تحولات الحياة وارهاصات الذات الإنسانية. ولذا وجدت (الصورة) في ذلك الإرث الإنساني الهائل رافداً لا ينقطع لتحولات الأفكار من (الكلمة) الى (الصورة). انه تعميق لاشكالية راسخة من اشكاليات (التلقي) تلك التي عنيت بها المدرسة الحديثة في علوم السرد خاصة.. بين ان يجري التعبير بالكلمة والمروي، وبين التعبير بالصورة.. بالشريط حيث يكون المروي محمولاً بمكوناته ومدخلاته. من هنا وجدنا ان هنالك تواصلاً عميقاً في طرائق التعبير، بين الكلمة والتخيل من جهة، وبين التجسيد والتعبير المباشر الذي يحرك الحواس (السمع والبصر) مباشرة، موظفاً (الحركة) لتعميق التعبير.
ان هذه الاشكالية تحيلنا الى توظيف أدوات التعبير ، وتداخلاتها، فإذا كان كاتب النصّ يجد نصّه وقد تحول الى الشاشة عبر آلاف الصور، فانه ازاء مد غزير من الوسائل و الأدوات التي تقدم الصورة، فالصورة ليست حالة مجردة مرئية فحسب، بل هي كما نعرف مد مركب من (الشيفرات) الداخلية ليس أقلها أهمية اللون والعمق والإضاءة والتكوين، انه هنا تتويج لما قطعته البشرية عبر تاريخها في ميدان الفن البصري، فما تتيحه (الآلة). آلة التصوير من خيارات لا تنتهي تجعل من معطيات التعبير عن (الإبداع الأدبي) أُفقاً لا تحده حدود من خلال ما يتيحه من قدرات عبقرية للتجسيد.
II
إن الصورة صارت تشكّل مفاهيمنا ، وكما يذهب (دافيد كوك) أحد أهم المنظّرين للصورة السمعبصرية، في قوله: "ان القليلين هم الذين تعلموا كيف يفهمون الطريقة التي تمارس بها هذه الصور تأثيرها، انها تخلق العديد من الرسائل التي لا تريد أن تنتهي، والتي تحيط بنا من كل جانب، وبتشبيه هذه الحالة فاننا، مع اللغة المكتوبة والمنطوقة، يمكن أن نعد أنفسنا أميين فنحن نستطيع أن نستوعب أشكال اللغة دون أن نفهمها حقاً فهماً كاملاً وشاملاً.
بحسب جاكوبسن ، فاننا ازاء بنية النص وما تنطوي عليه من علاقة بين الرسالة التي لها نسقها المرتبط بالنص وشفراته الخاصة، تلك التي تتمظهر في الكلام المروي أو الرسائل التي تنقل داخل النص نفسه. يضاف لذلك إدراكنا لبنى مزدوجة تنطلق من قاعدة معرفية تفسر الرسالة عبر تفسير الشيفرة. ونجد ان هذه المعطيات الداخلية للنص تعززها وجهة نظر توماشفسكي، مثلاً في تحديده للمتن الحكائي للنص، بوصفه عرضاً لمجموع الأحداث المتصلة فيما بينها، والتي تكون المادة الأولية للحكاية، وبموازاة ذلك يبرز المبنى الحكائي، بوصفه نظاماً خاصاً بالنص لطريقة ظهور الأحداث في المروي ذاته.
وسننطلق من الحدث تلك البؤرة التي تتجمع من حولها اتجاهات النص فتتكشف أفعال الشخصيات ودوافعها والحيز الزماني والمكاني الذي يؤطر ذلك الحدث.
III
إن هذه المعطيات : الشخصية / الحدث / الزمان / المكان ، ظلت تحرك الإطار التجريبي للنصوص زمناً طويلاً، ويشير تاريخ الرواية بشكل خاص، الى تلك التحولات العملاقة التي شهدها الفكر الإنساني الذي تجسد في الرواية كمدار كامل للحياة البشرية، حيث سُـجّلت عبرها سيرة الإنسان بعمق وتنوع ملفت.
وإذا كان الشكل الكلاسيكي للرواية قد أعطى الدرس الأول في المكونات الرباعية آنفة الذكر، فانه قدم أرضية واسعة (للحبكة) التي تتحرك بموجبها الأحداث. ولذا وجدت الدراسات السردية فيما بعد مدىً مكتملاً يتيح التعرف على الآليات التي تتحرك بموجبها الأحداث والدوافع الظاهرة والكامنة التي تحث الشخصيات كي تفعل شيئاً أو تقول شيئاً.
ومن هنا وجدت ان الإبداع الأدبي ـ الروائي ـ خاصة قد يؤثر في خصائص لم تكن جميعها في خدمة (الصورة)، بل ان هنالك هامشاً من التجربة قد وجدت الصورة نفسها ازاءه أمام أسئلة كثيرة وعديدة. ولم تكن تجربة المخرج الروسي الرائد (ايزنشتاين) في محاولته غير الموفقة لنقل رواية (يوليسيس) لجيمس جويس إلا صورة من صور هذه العلاقة الاشكالية، بمعنى ان التطور البنائي للرواية لم يكن يعني تطابق ذلك التطور مع احتياجات السينما من النص. ولتقريب الصورة نجد ان المنظّر الكبير (ادوين موير) يستقرئ النص الروائي من وجهة نظر أخرى تحاكي (الحاجة) الحقيقية للصورة المرئية.
Blog Archive
-
►
2011
(5)
- ► 04/03 - 04/10 (5)
-
►
2010
(5)
- ► 04/11 - 04/18 (1)
- ► 03/14 - 03/21 (1)
- ► 02/14 - 02/21 (1)
- ► 01/10 - 01/17 (1)
- ► 01/03 - 01/10 (1)
-
►
2009
(10)
- ► 07/05 - 07/12 (1)
- ► 06/07 - 06/14 (1)
- ► 05/31 - 06/07 (1)
- ► 05/17 - 05/24 (1)
- ► 05/03 - 05/10 (1)
- ► 04/19 - 04/26 (2)
- ► 04/12 - 04/19 (1)
- ► 01/25 - 02/01 (1)
- ► 01/18 - 01/25 (1)
-
►
2008
(19)
- ► 12/14 - 12/21 (1)
- ► 12/07 - 12/14 (1)
- ► 11/23 - 11/30 (1)
- ► 08/31 - 09/07 (1)
- ► 08/17 - 08/24 (1)
- ► 07/06 - 07/13 (1)
- ► 06/22 - 06/29 (1)
- ► 06/15 - 06/22 (1)
- ► 06/01 - 06/08 (1)
- ► 05/25 - 06/01 (1)
- ► 05/04 - 05/11 (1)
- ► 04/27 - 05/04 (1)
- ► 04/20 - 04/27 (1)
- ► 04/06 - 04/13 (1)
- ► 03/30 - 04/06 (1)
- ► 03/02 - 03/09 (2)
- ► 02/10 - 02/17 (1)
- ► 01/20 - 01/27 (1)
-
►
2007
(25)
- ► 12/23 - 12/30 (1)
- ► 12/09 - 12/16 (1)
- ► 12/02 - 12/09 (1)
- ► 11/25 - 12/02 (1)
- ► 11/11 - 11/18 (1)
- ► 11/04 - 11/11 (2)
- ► 10/21 - 10/28 (1)
- ► 10/07 - 10/14 (1)
- ► 09/30 - 10/07 (1)
- ► 09/23 - 09/30 (1)
- ► 09/16 - 09/23 (1)
- ► 09/09 - 09/16 (1)
- ► 08/26 - 09/02 (4)
- ► 08/19 - 08/26 (1)
- ► 08/05 - 08/12 (1)
- ► 07/08 - 07/15 (1)
- ► 07/01 - 07/08 (5)
انتقلنا الى الموقع الجديد لورشة سينما

عمدة مدينة بروكسل فريدي ثيلمانس في حفل تكريم طاهر علوان

قريبا ...قراءتان في كتابي عبقرية الصورة والمكان

اربعة قراءات في كتاب الخطاب السينمائي

Recent Posts
Definition List
-
قراءة في الخطاب السينمائي من الكلمة الى الصورة مشروع نقدي متكامل لقراءة فن الفيلم والفنون السمعبصرية محمد مزيد يطرح هذا الكتاب مشروعاً نقديا...
-
سسسسسسسسسسسسسسسسسس
-
ييييييييييييي
-
لالالالالالالالالالالالالالالالالالا
-
الواقعية السحرية في افلام المخرج اريك رومر فيلم (حكايةالخريف، 1998) انموذجا فيونا أي . فيليلا Viona A.Villella فيونا...
-
حوار مع المخرج النمساوي مايكل هانيكة العنف هو الموضوع الرئيس الذي تناولته في جميع افلامي قابلت 7 آلاف طفل لأختار بضعة منهم لفيلمي اذ...
-
يييييييييييييييي
-
hhhhhhhhhhhhhhhhh
-
CATRINE MONTONDO SHORT FILMS تجربة المخرجة (كاترين مونتوندو) في مجال الفيلم القصير في قراءة الفيلم القصير سنكون ازاء ثنائية تتعلق بشكل الفي...
-
فيلم "البراق" للمخرج المغربي محمد مفتكر غرائبية الجسد ، اشكالية الأنثى والتجليات في ماوراء السرد الفيلمي الواقعي طاهر عل...