يوميات من الحرب في العراق :احدث افلام المخرج الكبير برايان دي بالما
مما لاشك فيه ان موضوع حرب العراق كان ومازال شغلا شاغلا في الأوساط الأعلامية والرأي العام في كل ارجاء العالم ، هذه الحرب المدمرة التي اتت على ارواح مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء ومازالت تطحن المزيد وبسببها تراق انهار من الدماء ويفقد الناس احساسهم بالأنتماء فضلا عن فقدانهم لأبسط متطلبات العيش اللائق بالبشر . ولعل من يقرأ تقرير منظمة العفوالدولية الصادر حديثا ستتضح امامه جسامة الفجيعة .
من هذا كله ووسط رأي عام امريكي مقابل يضغط كل يوم لأنهاء المهمات الحربية وعودة القوات الأمريكية الى بلادها ووسط احتدام سياسي يتمثل في صراعات المصالح والصراعات الدولية والأقليمية ومجاميع الضغط تبرز هنا وهناك اصوات قوية ليست معنية تماما بالوقوف مع او ضد بقدر محاكمة الواقع محاكمة موضوعية وقراءة مايجري بعين راصدة بعيدة عن الأنحياز او تزوير الحقائق او التعتيم عليها او تجميلها لتغدو مقبولة للمشاهد .
من بين هذا كله يأتي فيلم المخرج الأمريكي القديربرايان دي بالما الذي حمل عنوان (ريداكتد : اي منقح بتشديد وفتح القاف )والذي يعرض الآن في العديد من الصالات في انحاء العالم ولكن بصمت ودونما ضجيج ولاترويج اعلامي بل بقدر من التحفظ واللامبالاة تارة ومحاربة الفيلم ومقاطعته من قبل بعض الجهات المساندة للحرب في الولايات المتحدة تارة اخرى .
يعرض الفيلم الآن في الصالات البلجيكية ومؤخرا اعلن عن عرضه في بريطانيا ولااعلم ان ان كان قد جرى او يجري عرضه في بلدان اوربية اخرى فقد جاء الفيلم وحل في الصالات دونما مقدمات وفي وقت تجد اعلانات في محطات الميترو والأماكن العامة الأخرى لأفلام اقل قيمة من فيلم دي بالما نجد هذا الفيلم منسيا تماما بل يكاد ان يكون مهمشا بل ان هنالك موقعا لليمين المتطرف والمنتفعين من المأساة يدعو صباح مساء لمقاطعة الفيلم ومقاطعة المخرج الكبير دي بالما بالرغم من منجزه السيمنمائي الضخم وحضوره المشهود على مستوى السينما في العالم ، انجازا ومهرجانات .
الفيلم يقدم وقائع يومية من حياة العراقيين تحت الأحتلال من جهة وحياة الجنود الأمريكان اليومية من جهة اخرى لكنه ينطلق من واقعة قيام جنود امريكان باغتصاب فتاة عراقية قاصر وهي قصة معلومة وجرى تداولها اعلاميا والواقعة حصلت في مدينة المحمودية العراقية جنوب بغداد وكانت ضحيتها الطفلة عبير الجنابي وأسرتها .
على هذه الخلفية يبدأ دي بالما فيلمه بمقدمة سرعان ماتنطمس كلماتها تباعا وكأن هنالك سلطة رقابية تمحو الكلمات و لاتريد لها ان تظهر على الشاشة ولهذا ليس مستغربا ان يحمل الفيلم اسم( ريداكتد ) اي منقح ، بمعنى مايقوم به فرد او سلطة (بتنقيح ) نص في اقرب مايكون الى سلطة الرقابة .
على هذه الفرضية اجدني بعد عرض الفيلم متفقا مع دي بالما بأن ماعرضه هو منقح حقا من جهة كونه مجرد جزء صغير وبسيط من دراما هائلة لاحد لها جرت وتجري وقائعها ليل نهار وفي كل لحظة وثانية ودقيقة على ارض الرافدين .
فالحياة اليومية لشريحة من الجنود هي نفسها التي تجدها مستنسخة مكررة كل يوم وكذلك الحياة اليومية للعراقيين ودائما حلقة الوصل بين الطرفين التي يقدمها الفيلم هي نقاط التفتيش ، اجل ، هذا هو اختيار دي بالما ، ان تكون هذه النقاط هي القناة الوحيدة التي يعبر من خلالها الطرفان عن وجودهم المبهم ، العابرون الى شؤون معاشهم اليومي من العراقيين يجدون انفسهم في مواجهة سؤال يحتاج الى اجابة هو انهم : متهمون حتى يثبت العكس .. يتهمهم الجنود المقيمون على نقاط التفتيش ويضعون الف علامة استفهام مفادها فقدان الثقة بين الطرفين بشكل مطلق ، واما الجنود فهم يصنعون لأنفسهم ترسانة تتمثل في نقاط التفتيش تحول بينهم وبين الواقع الجديد الذ ي يجدون انفسهم في مواجهته في كل يوم وساعة ، واقع لاعلاقة لهم به ولايعلمون كيف ومتى الخروج منه ولذلك فهم يحاولون الأنشغال عن ذلك بممارسة الهوايات اليومية ومنها هواية التصوير بكاميرة الفيديو الشخصية .
وحقا تلعب كاميرة الفيديو دورا بالغ الأهمية في هذا الفيلم ، اذ ان البناء الفيلمي على غير العادة في اي من افلام دي بالما المخرج المحنك ذو الخبرة الواسعة والتجارب العميقة والمتعددة ، على غير العادة يتجه الى معالجة فيلمية تقوم بالدرجة الأساس على مستويات اربع :
الأول : هو تسجيلات الجنود ليومياتهم بكاميرة الفيديو الخاصة بكل منهم وتوظيف كاميرات المراقبة داخل الثكنة العسكرية وهو ماتستشعر به من خلال زوايا التصوير .
الثاني : هو تغطيات القنوات الفضائية وخاصة احدى القنوات الفرنسية والعربية لما يجري في العراق .
الثالث : هو مواقع التشات اليومية على الشبكة من خلال حوارات الجنود مع عائلاتهم وموقع يو تيوب الأكثر شعبية .
الرابع : هو الحياة المعتادة للجنود وردود افعالهم اليومية ازاء ما حولهم وكذلك نزعاتهم الشخصية وغرائزهم ولهوهم وماالى ذلك .
ولعل هذه المعالجة الفيلمية هي التي سعى من خلالها دي بالما الى محاولة النأ ي بنفسه كي لايتهم بشكل صارخ انه ضد العمليات العسكرية في العراق وضد الحرب في العراق برمتها بل وضد السياسات التي افضت الى هذه المحصلة ، لقد حاول ان يكثف الى اقصى مايستطيع من قيمة وقوة الوثيقة الصورية – الصوتية القادمة من الميدان ومن الواقع ، الحقائق كما هي وكما تتناقلها وكالات الأنباء والمحطات التلفزية .ولهذا لعبت هذه الوثائق دورا بالغ الأهمية في الفيلم بل ان هذا المزيج المقصود من الوثائق قد اضفى على فيلم دي بالما طابعا مختلفا تماما عن سائر افلامه الأخرى وجعل المشاهد امام سؤال محدد مفاده : اليست هذه هي الحقائق اليومية التي نعلمها ونعيشها وندرك تفاصيلها ونتعايش مع معطياتها الفاجعة كل يوم ؟ اليست هذه الصور نسخ تتكرر على الشاشات التلفزية في كل يوم ؟ اليست هذه المصادمات امر واقع في الحياة العراقية اليومية تحت الأحتلال ؟
اذا : هل كان دي بالما مخلصا وصادقا ومحايدا حقا في نقل الحقيقية ؟ لكن السؤال الموازي هو : وهل ان من وظيفة المخرج ان يتولى هذه المهمة وبالأخص في وزن وثقل هذا المخرج الكبير ؟ .
اسئلة محددة من بين سيل آخر من الأسئلة لاتملك الا المضي معها وليس مستعجلا الحصول على الأجابة الكلامية فالأجابة الصورية عبر الفيلم هي ابلغ واشد تأثيرا.
على هذا يقوم الجندي انكل سالازار بالتصوير يوميا وكأنه يسعى الى انجاز فيلم وثائقي للحياة اليومية للجنود في الثكنة ، واقعيا تجد ان المخرج يختصر كل تلك الجعجعة الهائلة واهوال الحرب في اطار المهام اليومية لجنود هذه الثكنة وكأنه يختزل كل ذلك في حدود شريحة منتقاة يمثلها اولئك الجنود في الثكنة .
وهم انفسهم الذين ستخرج منهم دورية قتالية تدهم منزل الطفلة عبير الجنابي في المحمودية غرب بغداد ويقوم الجنود باغتصابها قبل قتلها وعائلتها جميعا ثم اضرام النار في المنزل (ابرز الممثلين الذين ادوا دور جنود الدورية هما : دانييل ستيوارت و باتريك كارول ) .
لكن دي بالما يعلن ان الواقعة هي في مدينة سامراء وليست في المحمودية ، ربما سعيا منه للخروج من اطار نقل الواقعة كما هي فيما هو يسعى الى عرض الواقع بشموليته .
بالطبع يذهب العديد من النقاد السينمائيين عند قرءتهم النقدية للفيلم الى التذكير بفيلم ضحايا الحرب للمخرج مايكل جي فوكس والذي عرض سنة 1989 عن وقائع اغتصاب مماثلة جرت وقائعها ابان الغزو الأمريكي لفيتنام لكن ثم فارق كبير دون شك بين الفلمين ، فبالنسبة الى دي بالما عمد الى معالجة سينمائية مختلفة يمكن تسميتها بالمعالجة الموازية فهو قدم قراءة موازية للواقع وليس قراءة مباشرة او وثائقية بمعنى انه ضخ مادة صورية بالغة الغزارة والتنوع من خلال تسجيلات الكاميرات الشخصية وكاميرا المراقبة والمواد الأخبارية والأرشيفية للقنوات الفضائية ووظف تقنيات المونتاج في حشد مادته الفيلمية حتى صار كل عنصر من هذه العناصر مصدر قوة اضافي للفيلم من جهة وعينا راصدة للأحداث من جهة اخرى .وقد لفتت نظري قراءات نقدية للفيلم تمثلت في قراءة الناقد روبرت ايبرت في صحيفة شياغو سن تايمز الذي رأى في الفيلم انه يدفع مشاهديه للقبول بواقع يجري تنقيحه من قبل السلطات لكنه واقع مرير على اية حال . وهذا الناقد وغيره كثير يحاولون الأبتعاد تماما عن الخطاب المباشر الذي جاء به الفيلم وهو الذي اشرت اليه في مطلع المقال بصدد نقل الواقع كما هو ام تعديله ام تحريفه ام ما مسؤولية المخرج هنا ؟.
مما لاشك فيه ان موضوع حرب العراق كان ومازال شغلا شاغلا في الأوساط الأعلامية والرأي العام في كل ارجاء العالم ، هذه الحرب المدمرة التي اتت على ارواح مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء ومازالت تطحن المزيد وبسببها تراق انهار من الدماء ويفقد الناس احساسهم بالأنتماء فضلا عن فقدانهم لأبسط متطلبات العيش اللائق بالبشر . ولعل من يقرأ تقرير منظمة العفوالدولية الصادر حديثا ستتضح امامه جسامة الفجيعة .
من هذا كله ووسط رأي عام امريكي مقابل يضغط كل يوم لأنهاء المهمات الحربية وعودة القوات الأمريكية الى بلادها ووسط احتدام سياسي يتمثل في صراعات المصالح والصراعات الدولية والأقليمية ومجاميع الضغط تبرز هنا وهناك اصوات قوية ليست معنية تماما بالوقوف مع او ضد بقدر محاكمة الواقع محاكمة موضوعية وقراءة مايجري بعين راصدة بعيدة عن الأنحياز او تزوير الحقائق او التعتيم عليها او تجميلها لتغدو مقبولة للمشاهد .
من بين هذا كله يأتي فيلم المخرج الأمريكي القديربرايان دي بالما الذي حمل عنوان (ريداكتد : اي منقح بتشديد وفتح القاف )والذي يعرض الآن في العديد من الصالات في انحاء العالم ولكن بصمت ودونما ضجيج ولاترويج اعلامي بل بقدر من التحفظ واللامبالاة تارة ومحاربة الفيلم ومقاطعته من قبل بعض الجهات المساندة للحرب في الولايات المتحدة تارة اخرى .
يعرض الفيلم الآن في الصالات البلجيكية ومؤخرا اعلن عن عرضه في بريطانيا ولااعلم ان ان كان قد جرى او يجري عرضه في بلدان اوربية اخرى فقد جاء الفيلم وحل في الصالات دونما مقدمات وفي وقت تجد اعلانات في محطات الميترو والأماكن العامة الأخرى لأفلام اقل قيمة من فيلم دي بالما نجد هذا الفيلم منسيا تماما بل يكاد ان يكون مهمشا بل ان هنالك موقعا لليمين المتطرف والمنتفعين من المأساة يدعو صباح مساء لمقاطعة الفيلم ومقاطعة المخرج الكبير دي بالما بالرغم من منجزه السيمنمائي الضخم وحضوره المشهود على مستوى السينما في العالم ، انجازا ومهرجانات .
الفيلم يقدم وقائع يومية من حياة العراقيين تحت الأحتلال من جهة وحياة الجنود الأمريكان اليومية من جهة اخرى لكنه ينطلق من واقعة قيام جنود امريكان باغتصاب فتاة عراقية قاصر وهي قصة معلومة وجرى تداولها اعلاميا والواقعة حصلت في مدينة المحمودية العراقية جنوب بغداد وكانت ضحيتها الطفلة عبير الجنابي وأسرتها .
على هذه الخلفية يبدأ دي بالما فيلمه بمقدمة سرعان ماتنطمس كلماتها تباعا وكأن هنالك سلطة رقابية تمحو الكلمات و لاتريد لها ان تظهر على الشاشة ولهذا ليس مستغربا ان يحمل الفيلم اسم( ريداكتد ) اي منقح ، بمعنى مايقوم به فرد او سلطة (بتنقيح ) نص في اقرب مايكون الى سلطة الرقابة .
على هذه الفرضية اجدني بعد عرض الفيلم متفقا مع دي بالما بأن ماعرضه هو منقح حقا من جهة كونه مجرد جزء صغير وبسيط من دراما هائلة لاحد لها جرت وتجري وقائعها ليل نهار وفي كل لحظة وثانية ودقيقة على ارض الرافدين .
فالحياة اليومية لشريحة من الجنود هي نفسها التي تجدها مستنسخة مكررة كل يوم وكذلك الحياة اليومية للعراقيين ودائما حلقة الوصل بين الطرفين التي يقدمها الفيلم هي نقاط التفتيش ، اجل ، هذا هو اختيار دي بالما ، ان تكون هذه النقاط هي القناة الوحيدة التي يعبر من خلالها الطرفان عن وجودهم المبهم ، العابرون الى شؤون معاشهم اليومي من العراقيين يجدون انفسهم في مواجهة سؤال يحتاج الى اجابة هو انهم : متهمون حتى يثبت العكس .. يتهمهم الجنود المقيمون على نقاط التفتيش ويضعون الف علامة استفهام مفادها فقدان الثقة بين الطرفين بشكل مطلق ، واما الجنود فهم يصنعون لأنفسهم ترسانة تتمثل في نقاط التفتيش تحول بينهم وبين الواقع الجديد الذ ي يجدون انفسهم في مواجهته في كل يوم وساعة ، واقع لاعلاقة لهم به ولايعلمون كيف ومتى الخروج منه ولذلك فهم يحاولون الأنشغال عن ذلك بممارسة الهوايات اليومية ومنها هواية التصوير بكاميرة الفيديو الشخصية .
وحقا تلعب كاميرة الفيديو دورا بالغ الأهمية في هذا الفيلم ، اذ ان البناء الفيلمي على غير العادة في اي من افلام دي بالما المخرج المحنك ذو الخبرة الواسعة والتجارب العميقة والمتعددة ، على غير العادة يتجه الى معالجة فيلمية تقوم بالدرجة الأساس على مستويات اربع :
الأول : هو تسجيلات الجنود ليومياتهم بكاميرة الفيديو الخاصة بكل منهم وتوظيف كاميرات المراقبة داخل الثكنة العسكرية وهو ماتستشعر به من خلال زوايا التصوير .
الثاني : هو تغطيات القنوات الفضائية وخاصة احدى القنوات الفرنسية والعربية لما يجري في العراق .
الثالث : هو مواقع التشات اليومية على الشبكة من خلال حوارات الجنود مع عائلاتهم وموقع يو تيوب الأكثر شعبية .
الرابع : هو الحياة المعتادة للجنود وردود افعالهم اليومية ازاء ما حولهم وكذلك نزعاتهم الشخصية وغرائزهم ولهوهم وماالى ذلك .
ولعل هذه المعالجة الفيلمية هي التي سعى من خلالها دي بالما الى محاولة النأ ي بنفسه كي لايتهم بشكل صارخ انه ضد العمليات العسكرية في العراق وضد الحرب في العراق برمتها بل وضد السياسات التي افضت الى هذه المحصلة ، لقد حاول ان يكثف الى اقصى مايستطيع من قيمة وقوة الوثيقة الصورية – الصوتية القادمة من الميدان ومن الواقع ، الحقائق كما هي وكما تتناقلها وكالات الأنباء والمحطات التلفزية .ولهذا لعبت هذه الوثائق دورا بالغ الأهمية في الفيلم بل ان هذا المزيج المقصود من الوثائق قد اضفى على فيلم دي بالما طابعا مختلفا تماما عن سائر افلامه الأخرى وجعل المشاهد امام سؤال محدد مفاده : اليست هذه هي الحقائق اليومية التي نعلمها ونعيشها وندرك تفاصيلها ونتعايش مع معطياتها الفاجعة كل يوم ؟ اليست هذه الصور نسخ تتكرر على الشاشات التلفزية في كل يوم ؟ اليست هذه المصادمات امر واقع في الحياة العراقية اليومية تحت الأحتلال ؟
اذا : هل كان دي بالما مخلصا وصادقا ومحايدا حقا في نقل الحقيقية ؟ لكن السؤال الموازي هو : وهل ان من وظيفة المخرج ان يتولى هذه المهمة وبالأخص في وزن وثقل هذا المخرج الكبير ؟ .
اسئلة محددة من بين سيل آخر من الأسئلة لاتملك الا المضي معها وليس مستعجلا الحصول على الأجابة الكلامية فالأجابة الصورية عبر الفيلم هي ابلغ واشد تأثيرا.
على هذا يقوم الجندي انكل سالازار بالتصوير يوميا وكأنه يسعى الى انجاز فيلم وثائقي للحياة اليومية للجنود في الثكنة ، واقعيا تجد ان المخرج يختصر كل تلك الجعجعة الهائلة واهوال الحرب في اطار المهام اليومية لجنود هذه الثكنة وكأنه يختزل كل ذلك في حدود شريحة منتقاة يمثلها اولئك الجنود في الثكنة .
وهم انفسهم الذين ستخرج منهم دورية قتالية تدهم منزل الطفلة عبير الجنابي في المحمودية غرب بغداد ويقوم الجنود باغتصابها قبل قتلها وعائلتها جميعا ثم اضرام النار في المنزل (ابرز الممثلين الذين ادوا دور جنود الدورية هما : دانييل ستيوارت و باتريك كارول ) .
لكن دي بالما يعلن ان الواقعة هي في مدينة سامراء وليست في المحمودية ، ربما سعيا منه للخروج من اطار نقل الواقعة كما هي فيما هو يسعى الى عرض الواقع بشموليته .
بالطبع يذهب العديد من النقاد السينمائيين عند قرءتهم النقدية للفيلم الى التذكير بفيلم ضحايا الحرب للمخرج مايكل جي فوكس والذي عرض سنة 1989 عن وقائع اغتصاب مماثلة جرت وقائعها ابان الغزو الأمريكي لفيتنام لكن ثم فارق كبير دون شك بين الفلمين ، فبالنسبة الى دي بالما عمد الى معالجة سينمائية مختلفة يمكن تسميتها بالمعالجة الموازية فهو قدم قراءة موازية للواقع وليس قراءة مباشرة او وثائقية بمعنى انه ضخ مادة صورية بالغة الغزارة والتنوع من خلال تسجيلات الكاميرات الشخصية وكاميرا المراقبة والمواد الأخبارية والأرشيفية للقنوات الفضائية ووظف تقنيات المونتاج في حشد مادته الفيلمية حتى صار كل عنصر من هذه العناصر مصدر قوة اضافي للفيلم من جهة وعينا راصدة للأحداث من جهة اخرى .وقد لفتت نظري قراءات نقدية للفيلم تمثلت في قراءة الناقد روبرت ايبرت في صحيفة شياغو سن تايمز الذي رأى في الفيلم انه يدفع مشاهديه للقبول بواقع يجري تنقيحه من قبل السلطات لكنه واقع مرير على اية حال . وهذا الناقد وغيره كثير يحاولون الأبتعاد تماما عن الخطاب المباشر الذي جاء به الفيلم وهو الذي اشرت اليه في مطلع المقال بصدد نقل الواقع كما هو ام تعديله ام تحريفه ام ما مسؤولية المخرج هنا ؟.
0 comments