كتاب الخطاب السينمائي لطاهر علوان : يؤسس لأتجاه جديد في النقد السينمائي
يوسف يوسف*
القليل من الكتابات التي يصنّفها أصحابها على اعتبار أنها من جنس النقد السينمائي تستحق الاحترام، وبعكس ذلك فإن الغالبية من هذه الكتابات لا تستحق مثل هذه النظرة، خصوصا تلك التي اعتاد أصحابها اجترار زوايا النظر ذاتها التي اعتادوا الالتفات منها إلى كل فلم يكتبون عنه، مثلما اعتادوا تكرار المفردات ذاتها، بدون أية رغبة حتى في تحسين البنية اللغوية لما يكتبونه. وكتاب الناقد طاهر عبد مسلم علوان(الخطاب السينمائي) واحد من هذا القليل الذي يجب على القارئ أن لا يمرّ من أمامه مرورا عابرا، فهو والحق يقال، نتاج عقل يتجاوز النقل والتكرار، ويحفر بدون كلل في أكثر من طبقة، وبه يؤسس صاحبه موقعا متميزا بين من السينما.
من علامات ذلك وهو ما يلفت الانتباه، تطابق قراءات طاهر النقدية، مع فهمه لماهية وبنية النقد السينمائي كما يوضحها في الجزء التنظيري من الكتاب. والنقد السينمائي كما يراه ويتعامل معه، ميدان تتداخل فيه مفاهيم وقواعد تتعلق بنظريات النقد الحديث من جهة، وبغيرها مما في الفلسفة والأدب وعلم الجمال والسينما نفسها من جهة ثانية، وهو الفهم الذي يطمح إلى احتلال الموقع المتميز، الذي من أهم ملامحه التبشير باتجاه جديد في النقد، يمكن فهم أبعاده من خلال مجموعة العناوين التي يتناولها المؤلف بالبحث ومنها: جماليات البناء الشعري في الفلم، قراءة رولان بارت لشعر السرد عند ايزنشتين ، خطاب الغرائبية السمعبصرية، أنساق النصّ والشكل السمعبصري،مستويات السرد السمعبصري نظرة إلى السردية في السينما الفرنسية، إشكالية النسق والنوع الفلمي. ومعنى ذلك كله أنّ المؤلف يحاول الانفتاح على ما هو حديث في النقد، بإدماج نظرية النقد السينمائي بنظرية النقد الأدبي، وهو مما جعله يستحضر أطروحات وكشوفات مفكرين كبار مثل فوكو وايفا نوكس وبروب وبارت وفان ديك وجاكوبسن وغيرهم الكثيرين.في الكتاب أربعة فصول يجمعها ناظم البحث عن معنى الخطاب السينمائي وصلة السرد السينمائي بالسرد الأدبي. وهنا قد يسأل القارئ عن المبررات التي يقدمها المؤلف، إلا أنه سرعان ما يبدّد أية حيرة قد تعتريه من خلال الوقوف به أمام معنى الخطاب كما يفهمه هو، وليس كما يفهمه الكثيرون، إذ أنّ هذا الخطاب كما يراه ويفهمه طاهر يمتد من الكلمة المكتوبة في السيناريو الأدبي إلى الصورة التي نراها في الفلم. أي أنه لا ينحصر في الثانية كما يعتقد الكثيرون ممن يتعاملون مع الفلم باعتباره فنا سمعبصريا.وبسبب هذا الامتداد الذي يبدأ من الكلمة –الأدب وينتهي بالصورة –السينما في المفهوم التقليدي نتبين أسباب الحديث عن إدماج.الخطابين ببعضهما وتداخلهما معا. س ـ في الفصل الأول: شعرية السرد السينمائي ، يعالج المؤلف هذه الحالة بوصفها نظاما زمانيا ومكانيا وحكائيا وعلاميا.وكما يتصور الأمر فإن الشعرية المقصودة هنا إشكالية على نحو ما، وهي تتصل بالنوع الإبداعي /روائي تسجيلي، وبالأسلوب/ واقعي انطباعي، وكذلك بالمديات التي يصلها المبدع في الفلم ابتداء من كاتب السيناريو-الكلمة وانتهاء بالمخرج-الصورة. ومن الضروري أن نعرف هنا أنّ السينمائي الذي ينتج الخطاب ينشغل بكيفية إنتاج المعنى الذي يتمظهر أخيرا من خلال الدلالات السمعية والبصرية والحركية. على أنّ فهم ذلك يقترن بفهم كيفية توليد المعنى في النصّ الشعري. ومن النماذج التطبيقية التي يتناولها في درس شعرية التكوين السينمائي أفلام:"الهزاز"و"سيدة من شنغهاي" و"ماس ورماد" و"الخادم"و"ممرات المجد" وهناك غيرها أفلام لمخرجين كبار منهم:آلان رينيه، وأنطونيوني وفيليني وكلود شابرول. كما ويعرض لشعرية السرد من خلال تجارب أنجمار برجمان وايزنشتين ولخطاب الغرائبية من خلال ملك الخواتم والمرأة الخارقة والخفافيش والقردة. وعلى ذكر الغرائبية في السينما المعاصرة، فإنها لم تعد نزوعا فانتازيا مجردا، ولا توظيفا للتقنيات السمعبصرية المجردة، بل هي بناء سردي وفكري وجمالي تسنده التقنيات المعاصرة وشتى أنواع الخدع التي يقدمها الكومبيوتر. في الفصل الثاني يتوقف أمام ثنائية السيناريو والسرد، أي إنه يبحث عن عناصر المقاربة بين الشكل الأدبي والنسق السمعبصري.وفي هذا المجال، ونظن أنّ ما يشير إليه هو الصواب، فإن نشأة السينما في عام 1895 كانت تعني أنّ الأدب بدأ يتمظهر عبر الصورة ويقدم دلالاته من خلالها. بل ويمكن القول بأنّ الصورة وجدت في الأجناس الأدبية المعروفة (الرواية والقصة والشعر والمسرج) رافد لا ينقطع لتحولات الأفكار من الكلمة على الصورة. ومن الضروري أن ندرك هنا أنّ الصورة كوسيلة تعبير ليست حالة مجردة مرئية فحسب، بل إنها وبحسب التعبير الذي يستخدمه المؤلف مدّ مركب من الشيفرات الداخلية، ليس أقلها أهمية اللون والعمق والإضاءة والتكوين، وكما يقرر(دافيد كوك) ، أحد أهم المنظرين للصورة السمعبصرية في قوله:إن القليلين هم الذين تعلموا كيف يفهمون الطريقة التي تمارس بها هذه الصورة تأثيرها إنها تخلق العديد من الرسائل التي لا تريد أن تنتهي ، والتي تحيط بنا من كل جانب. في المقاربة بين السيناريو والشكل الأدبي، يطلق طاهر مسلم على الأول لقب الوسيط النوعي، الذي يقع عادة بين الرواية- أو النصّ الأدبي عموما وبين الصورة المعروضة على الشاشة. وإذا كانت شيفرات الرواية تتغلغل كما يقول في شبكة المرويات وبدوافع الشخصية،فإن شيفرات السيناريو تتغلغل في شبكة التعبير الظاهري المباشر.بمعنى أنّ السيناريو يقوم على سلسلة من آليات الإحالة من نسيج النص الروائي وشكله الثنائي(المقروء/المتخيل) إلى شكله الثلاثي(المرئي/المسموع/المتحرك) والمقصود بالعنصر الأخير حركة الأشياء داخل إطار الصورة. ولعله من الضروري التنبيه هنا إلى أنّ السرد السمعبصري هو نمط من أنماط السرد المبنية على انساق نصية سابقة-الروائي أو الحكائي أو الشعري أو المسرحي.ولهذا من المهم أن يعرف الناقد قبل غيره ، أنّ لنسق النصّ تمثلات مختلفة في المدارس المعاصرة، وبموازاة ذلك فإنّ النسق السمعبصري هو نسق (علامي)، أي إنه مقترن بالعلامة السمعبصرية. وانطلاقا من (بارت) فإنه أيضا نسق متعدّد العلامات، وكثيف في تصديرها، كما أنه يوظف العلامات على أساس قاعدة (الرسالة) التي تنقل إلى الآخر (المتلقي) فهي رسالة رمزية وضمنية.وضمن السياق نفسه من البحث، فإن مسلم في الفصل الثالث (نسق السرد والنوع ألفلمي) يحاول تعميق الأطروحات السابقة، انطلاقا من دراسة النوع ألفلمي الذي تناوله بإسهاب (س. سولومون) الناقد الشهير في كتابه ( أنواع الفلم الأمريكي). لماذا حديث النوع هنا، فذلك لأنّ الخطاب السمعبصري انفصل عن بقية أنساق الخطاب المجاورة ( الرواية، المسرح، الشعر..) وتشكل على هيئة خطاب موازي مكتمل العناصر ، وله نماذج نسقية خاصة إنّ هذا النسق الذي يكرس النوع كما يقول المؤلف، يقدم التبرير لدراسته باعتباره إنتاجا موازيا ، أو سردا مستقلا يتداخل ويتجاور مع سواه من السرديات.بيد انه من الضروري الانتباه إلى أنه ثمة تنوّع تعبيري دال يتسع باتساع النوع في الخطاب ألفلمي.ومما يذهب إليه سولومون أنّ مفهوم النوع قد لاقى قبولا واسعا لدى الجمهور العريض. ولعل هذا الأمر هو الذي يعمق رسالة الفلم الهادفة، وعلاقتها بشريحة هائلة من البشر من متذوقي الفن السابع. أخيرا وبعد أن يكون المؤلف قد أنهى الحديث في الفصول السابقة حول خطاب السينما من الكلمة إلى الصورة، وبعد أن تكون علاقة النسقين:اللغوي والصوري قد اتضحت، فإنه في الفصل الرابع الأخير يتناول قضية الإعداد والاقتباس، ألتي هي قضية تحويل النص الأدبي إلى نصّ سينمائي. إنّ النصّ السمعبصري ينشد متنا ومبنى حكائيين، وهذا مما أدى إلى تعميق العلاقة بين الرواية والفلم ، وجعل الاولى أكثر إغراء للسينمائيين لإعدادها وتحويلها إلى أفلام.إنّ الوسيط النوعي في عملية الإعداد والاقتباس يرتكز أساسا على المقارنة بين الشكلين : الروائي والسمعبصري، غدا يشكل الأدب مصدرا مهما من المصادر المعتمدة في كتابة النصّ السمعبصري.وإذا كان فن الفلم في مراحل البدايات قد اعتمد على نقل حكاية أومضمون حكائي إلى الجمهور عندما كانت (التقنية) في بداياتها ، فإن فن الفلم صار يبحث بالتدريج عن نصوص تشكل (الوسيط)بين الشكل السينمائي والمضمون الحكائي.وإنّ الوسيط النوعي (السيناريو)هو وسيط بمعنى أنه حلقة بين ما هو أدبي وسينمائي. ومن جهة أخرى فإنه (توع) مستقل يقتبس من المصادر لكنه لا ينتمي اليه، فهو-السيناريو نوع غير قابل للتغيير أو التعديل. وبعد، فإن المؤلف طاهر عبد مسلم علوان في كتابه الجديد، يحاول الإضافة إلى النقد السينمائي، عبر ضخ مفاهيم جديدة في شرايينه، من شأنه الانتقال به من حالة الركود إلى حالة الحيوية التي يتحرر بها من المفاهيم التي باتت بلا جدوى حقيقية، وهي الصفة التي تحسب لصالحه، خصوصا وأنّ أغلب ما يكتب من نقد سينمائي، قد ضاقت الآفاق أمام أصحابه، ولم يعودوا يبصرون غير ما اعتاد عليه السابقون قبل ما يزيد على النصف قرن من عمر النقد، وعمر السينما. كتاب/الخطاب السينمائيمن الكلمة إلى الصورةالمؤلف / طاهر عبد مسلم علوان الناشر/دار الشؤون الثقافية العامة
من علامات ذلك وهو ما يلفت الانتباه، تطابق قراءات طاهر النقدية، مع فهمه لماهية وبنية النقد السينمائي كما يوضحها في الجزء التنظيري من الكتاب. والنقد السينمائي كما يراه ويتعامل معه، ميدان تتداخل فيه مفاهيم وقواعد تتعلق بنظريات النقد الحديث من جهة، وبغيرها مما في الفلسفة والأدب وعلم الجمال والسينما نفسها من جهة ثانية، وهو الفهم الذي يطمح إلى احتلال الموقع المتميز، الذي من أهم ملامحه التبشير باتجاه جديد في النقد، يمكن فهم أبعاده من خلال مجموعة العناوين التي يتناولها المؤلف بالبحث ومنها: جماليات البناء الشعري في الفلم، قراءة رولان بارت لشعر السرد عند ايزنشتين ، خطاب الغرائبية السمعبصرية، أنساق النصّ والشكل السمعبصري،مستويات السرد السمعبصري نظرة إلى السردية في السينما الفرنسية، إشكالية النسق والنوع الفلمي. ومعنى ذلك كله أنّ المؤلف يحاول الانفتاح على ما هو حديث في النقد، بإدماج نظرية النقد السينمائي بنظرية النقد الأدبي، وهو مما جعله يستحضر أطروحات وكشوفات مفكرين كبار مثل فوكو وايفا نوكس وبروب وبارت وفان ديك وجاكوبسن وغيرهم الكثيرين.في الكتاب أربعة فصول يجمعها ناظم البحث عن معنى الخطاب السينمائي وصلة السرد السينمائي بالسرد الأدبي. وهنا قد يسأل القارئ عن المبررات التي يقدمها المؤلف، إلا أنه سرعان ما يبدّد أية حيرة قد تعتريه من خلال الوقوف به أمام معنى الخطاب كما يفهمه هو، وليس كما يفهمه الكثيرون، إذ أنّ هذا الخطاب كما يراه ويفهمه طاهر يمتد من الكلمة المكتوبة في السيناريو الأدبي إلى الصورة التي نراها في الفلم. أي أنه لا ينحصر في الثانية كما يعتقد الكثيرون ممن يتعاملون مع الفلم باعتباره فنا سمعبصريا.وبسبب هذا الامتداد الذي يبدأ من الكلمة –الأدب وينتهي بالصورة –السينما في المفهوم التقليدي نتبين أسباب الحديث عن إدماج.الخطابين ببعضهما وتداخلهما معا. س ـ في الفصل الأول: شعرية السرد السينمائي ، يعالج المؤلف هذه الحالة بوصفها نظاما زمانيا ومكانيا وحكائيا وعلاميا.وكما يتصور الأمر فإن الشعرية المقصودة هنا إشكالية على نحو ما، وهي تتصل بالنوع الإبداعي /روائي تسجيلي، وبالأسلوب/ واقعي انطباعي، وكذلك بالمديات التي يصلها المبدع في الفلم ابتداء من كاتب السيناريو-الكلمة وانتهاء بالمخرج-الصورة. ومن الضروري أن نعرف هنا أنّ السينمائي الذي ينتج الخطاب ينشغل بكيفية إنتاج المعنى الذي يتمظهر أخيرا من خلال الدلالات السمعية والبصرية والحركية. على أنّ فهم ذلك يقترن بفهم كيفية توليد المعنى في النصّ الشعري. ومن النماذج التطبيقية التي يتناولها في درس شعرية التكوين السينمائي أفلام:"الهزاز"و"سيدة من شنغهاي" و"ماس ورماد" و"الخادم"و"ممرات المجد" وهناك غيرها أفلام لمخرجين كبار منهم:آلان رينيه، وأنطونيوني وفيليني وكلود شابرول. كما ويعرض لشعرية السرد من خلال تجارب أنجمار برجمان وايزنشتين ولخطاب الغرائبية من خلال ملك الخواتم والمرأة الخارقة والخفافيش والقردة. وعلى ذكر الغرائبية في السينما المعاصرة، فإنها لم تعد نزوعا فانتازيا مجردا، ولا توظيفا للتقنيات السمعبصرية المجردة، بل هي بناء سردي وفكري وجمالي تسنده التقنيات المعاصرة وشتى أنواع الخدع التي يقدمها الكومبيوتر. في الفصل الثاني يتوقف أمام ثنائية السيناريو والسرد، أي إنه يبحث عن عناصر المقاربة بين الشكل الأدبي والنسق السمعبصري.وفي هذا المجال، ونظن أنّ ما يشير إليه هو الصواب، فإن نشأة السينما في عام 1895 كانت تعني أنّ الأدب بدأ يتمظهر عبر الصورة ويقدم دلالاته من خلالها. بل ويمكن القول بأنّ الصورة وجدت في الأجناس الأدبية المعروفة (الرواية والقصة والشعر والمسرج) رافد لا ينقطع لتحولات الأفكار من الكلمة على الصورة. ومن الضروري أن ندرك هنا أنّ الصورة كوسيلة تعبير ليست حالة مجردة مرئية فحسب، بل إنها وبحسب التعبير الذي يستخدمه المؤلف مدّ مركب من الشيفرات الداخلية، ليس أقلها أهمية اللون والعمق والإضاءة والتكوين، وكما يقرر(دافيد كوك) ، أحد أهم المنظرين للصورة السمعبصرية في قوله:إن القليلين هم الذين تعلموا كيف يفهمون الطريقة التي تمارس بها هذه الصورة تأثيرها إنها تخلق العديد من الرسائل التي لا تريد أن تنتهي ، والتي تحيط بنا من كل جانب. في المقاربة بين السيناريو والشكل الأدبي، يطلق طاهر مسلم على الأول لقب الوسيط النوعي، الذي يقع عادة بين الرواية- أو النصّ الأدبي عموما وبين الصورة المعروضة على الشاشة. وإذا كانت شيفرات الرواية تتغلغل كما يقول في شبكة المرويات وبدوافع الشخصية،فإن شيفرات السيناريو تتغلغل في شبكة التعبير الظاهري المباشر.بمعنى أنّ السيناريو يقوم على سلسلة من آليات الإحالة من نسيج النص الروائي وشكله الثنائي(المقروء/المتخيل) إلى شكله الثلاثي(المرئي/المسموع/المتحرك) والمقصود بالعنصر الأخير حركة الأشياء داخل إطار الصورة. ولعله من الضروري التنبيه هنا إلى أنّ السرد السمعبصري هو نمط من أنماط السرد المبنية على انساق نصية سابقة-الروائي أو الحكائي أو الشعري أو المسرحي.ولهذا من المهم أن يعرف الناقد قبل غيره ، أنّ لنسق النصّ تمثلات مختلفة في المدارس المعاصرة، وبموازاة ذلك فإنّ النسق السمعبصري هو نسق (علامي)، أي إنه مقترن بالعلامة السمعبصرية. وانطلاقا من (بارت) فإنه أيضا نسق متعدّد العلامات، وكثيف في تصديرها، كما أنه يوظف العلامات على أساس قاعدة (الرسالة) التي تنقل إلى الآخر (المتلقي) فهي رسالة رمزية وضمنية.وضمن السياق نفسه من البحث، فإن مسلم في الفصل الثالث (نسق السرد والنوع ألفلمي) يحاول تعميق الأطروحات السابقة، انطلاقا من دراسة النوع ألفلمي الذي تناوله بإسهاب (س. سولومون) الناقد الشهير في كتابه ( أنواع الفلم الأمريكي). لماذا حديث النوع هنا، فذلك لأنّ الخطاب السمعبصري انفصل عن بقية أنساق الخطاب المجاورة ( الرواية، المسرح، الشعر..) وتشكل على هيئة خطاب موازي مكتمل العناصر ، وله نماذج نسقية خاصة إنّ هذا النسق الذي يكرس النوع كما يقول المؤلف، يقدم التبرير لدراسته باعتباره إنتاجا موازيا ، أو سردا مستقلا يتداخل ويتجاور مع سواه من السرديات.بيد انه من الضروري الانتباه إلى أنه ثمة تنوّع تعبيري دال يتسع باتساع النوع في الخطاب ألفلمي.ومما يذهب إليه سولومون أنّ مفهوم النوع قد لاقى قبولا واسعا لدى الجمهور العريض. ولعل هذا الأمر هو الذي يعمق رسالة الفلم الهادفة، وعلاقتها بشريحة هائلة من البشر من متذوقي الفن السابع. أخيرا وبعد أن يكون المؤلف قد أنهى الحديث في الفصول السابقة حول خطاب السينما من الكلمة إلى الصورة، وبعد أن تكون علاقة النسقين:اللغوي والصوري قد اتضحت، فإنه في الفصل الرابع الأخير يتناول قضية الإعداد والاقتباس، ألتي هي قضية تحويل النص الأدبي إلى نصّ سينمائي. إنّ النصّ السمعبصري ينشد متنا ومبنى حكائيين، وهذا مما أدى إلى تعميق العلاقة بين الرواية والفلم ، وجعل الاولى أكثر إغراء للسينمائيين لإعدادها وتحويلها إلى أفلام.إنّ الوسيط النوعي في عملية الإعداد والاقتباس يرتكز أساسا على المقارنة بين الشكلين : الروائي والسمعبصري، غدا يشكل الأدب مصدرا مهما من المصادر المعتمدة في كتابة النصّ السمعبصري.وإذا كان فن الفلم في مراحل البدايات قد اعتمد على نقل حكاية أومضمون حكائي إلى الجمهور عندما كانت (التقنية) في بداياتها ، فإن فن الفلم صار يبحث بالتدريج عن نصوص تشكل (الوسيط)بين الشكل السينمائي والمضمون الحكائي.وإنّ الوسيط النوعي (السيناريو)هو وسيط بمعنى أنه حلقة بين ما هو أدبي وسينمائي. ومن جهة أخرى فإنه (توع) مستقل يقتبس من المصادر لكنه لا ينتمي اليه، فهو-السيناريو نوع غير قابل للتغيير أو التعديل. وبعد، فإن المؤلف طاهر عبد مسلم علوان في كتابه الجديد، يحاول الإضافة إلى النقد السينمائي، عبر ضخ مفاهيم جديدة في شرايينه، من شأنه الانتقال به من حالة الركود إلى حالة الحيوية التي يتحرر بها من المفاهيم التي باتت بلا جدوى حقيقية، وهي الصفة التي تحسب لصالحه، خصوصا وأنّ أغلب ما يكتب من نقد سينمائي، قد ضاقت الآفاق أمام أصحابه، ولم يعودوا يبصرون غير ما اعتاد عليه السابقون قبل ما يزيد على النصف قرن من عمر النقد، وعمر السينما. كتاب/الخطاب السينمائيمن الكلمة إلى الصورةالمؤلف / طاهر عبد مسلم علوان الناشر/دار الشؤون الثقافية العامة
جريدة الأتحاد 5-8-2006
*ناقد وكاتب من فلسطين مقيم في العراق
*ناقد وكاتب من فلسطين مقيم في العراق
0 comments